زيارة قبور الأولياء

أصحاب الفضيلة! لقد استمعنا إلى برنامجكم في السعودية كثيرا، والبرنامج هو نور على الدرب، وحثثنا على تركيزكم الكبير على زيارة القبور والتبرك بما فيها من أهل الخير، وهم بلا شك فيهم الخير الكثير وخاصة أنهم يعيشون في كنف الله - سبحانه وتعالى-، وهم أقرب إليه من غيرهم؛ لأنهم في حضرته، لكن كثرة كلامكم عن عدم جدواهم جعلتنا نضع عدة أسئلة عندما نريد أن نقوم بزيارة هؤلاء، نرجو منكم أن تصدقونا القول وفقنا الله وإياكم؛ لأننا نريد إذا لم نكن على الصواب أن نتجنب ما نحن عليه؟.

الإجابة

السائل مشكور على طلبه الحق ، وهذا هو الذي ينبغي لكل مؤمن أن يسأل عن ما أشكل عليه، وأن لا يبقى على الجهل؛ لأن الله - سبحانه وتعالى- يقول : فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [(7) سورة الأنبياء]. والموتى في القبور أقسام: منهم من هو قريب من الله وفي كنف الله ومرحوم وهم أهل التقوى والإيمان ، ومنهم المعذب المغلوب عليه من أهل الكفر والفسق فليسوا على حدٍ سواء ، فالمؤمن الطيب الذي مات على طاعة الله ورسوله على خيرٍ عظيم، وموعود بالجنة ويكون قبره روضة من رياض الجنة، أما الذي مات على الكفر بالله كالذين يدعون الأموات ويستغيثون بالأموات ويطلب منهم المدد ، هذا كفر وضلال ، هذا على خطر عظيم، وهو متوعد بالنار والعذاب الأليم لكفره بالله وشركه بالله ، وهكذا من مات على المعاصي غير تائب كالذي يموت على الزنا أو على عقوق الوالدين أو على أكل الربا أو على شهادة الزور ، أو على شرب الخمور وسرقة أموال الناس ونحو ذلك ، هؤلاء على خطر عظيم من دخول النار ، وعلى خطر أن تكون قبورهم حفرة من حفر النار - نعوذ بالله - فليس الموتى على حدٍ سواء. فينبغي أن تعلم - أيها السائل- أن الأموات أقسام: منهم المرضي عنه ، المستقيم ، الذي مات على تقوى وإيمان هذا له جنة وكرامة وقبره روضة من رياض الجنة، ومنهم من مات على الكفر والضلال كالذي يستهزئ بالدين ويسب الدين ، أو يدع الصلاة أو يسأل الموتى ويستغيث بهم وينذر لهم، ويطلبهم المدد وما أشبه ذلك ، هذا من الكفر بالله - عز وجل- ، والكفار متوعدون بالنار إذا ماتوا على كفرهم. ومنهم من مات على المعاصي وهو مسلم ، لكن مات على المعاصي مات على شرب الخمر ، مات على الربا ، مات على الزنا ، مات على السرقة ، مات عاقاً لوالديه ، هذا على خطر من دخول النار ، وإن كان لا يخلد إذا دخلها لكنه على خطر ، وعلى خطر من العذاب في قبره بسبب معاصيه، فينبغي لك أن تحذر وأن تكون على بينة أما زيارة القبور فهي أقسام ، إن كانوا مسلمين يزاروا للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم وتذكر الآخرة والزهد في الدنيا، كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. وكان يقول : اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. فأنت تسأل الله لهم المغفرة والرحمة والعافية إذا زرتهم. أما دعاؤهم تقول : يا سيدي فلان اقض حاجتي ، اشف مريضي ، المدد ، المدد ، هذا شرك بالله، هذا لا يجوز ، هذا من عمل الجاهلية ، من عمل أبي جهل وأشباهه، من كفار الجاهلية ، كفار قريش وأشباههم ، الموتى لا يطلب منهم شيء ، لا يقال لهم المدد ولا أغيثونا ولا انصرونا ولا اشفوا مرضانا ، لا ، هذا يطلب من الله - سبحانه وتعالى- لا منهم ، هو القادر على كل شيءٍ – سبحانه- ، ولا اشفعوا لنا، لا يطلب منهم هذا ، وإنما يستغفر لهم ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، فينبغي أن تعلم ذلك وأن تكون على بينة. أما الكفار لا يزارون مثل النصارى قبور اليهود ، قبور النصارى، قبور المشركين الذين يعبدون غير الله، يستغيثون بالأموات وينذرون لهم ، هؤلاء لا تزار قبورهم ، ومن زارها لقصد الاعتبار فلا بأس ، إذا زارها للاعتبار ، يعني ليعتبر ، ليتذكر الآخرة ، لكن لا يدعى لهم ، لا يترحم عليهم، وقد زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه وهي ماتت على الجاهلية، زار قبر أمه واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له أن يستغفر لها – عليه الصلاة والسلام-، لكن زارها للاعتبار والذكرى فقط ، فإذا زرت القبور ، قبور الكفار من النصارى وغيرهم للذكرى والاعتبار والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فلا بأس ، لكن لا تسلم عليهم ولا تدعو لهم. أما المسلمون فتزار قبورهم ويدعى لهم وتطلب لهم المغفرة والرحمة، ولا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، ولا يسألون الشفاعة ولا الغوث ولا النصر ولا المدد ، كل هذا لا يجوز، بل هذا من الشرك الذي حرمه الله، وهو من عمل أهل الجاهلية ، فينبغي لك - أيها السائل- أن تحفظ هذا وأن تبلغه من ورائك من الإخوان، ينبغي أن تحفظ هذا جيداً وأن تبلغه من حولك من جيرانك وأصحابك وجلسائك حتى تكونوا على بينة ، على بصيرة ؛ لأن الله يقول: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [(18) سورة الجن]. -سبحانه وتعالى-. الموتى لا يدعون ، وهكذا الملائكة ، هكذا الأنبياء بعد موتهم ، هكذا الكواكب ، هكذا الأشجار والأحجار ، هذا الأصنام ، كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها ، ولا ينذر لها، ولا يتمسح بها. أما الحي ، النبي الحي ، الصالح الحي ، الذي يسمع كلامك لا بأس أن تقول له : اشفع لي ، ادع الله لي ، كما كان الصحابة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- يقولون له : اشفع لنا يا رسول الله، في حياته - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت كان الصحابة يطلبون منه الدعاء والشفاعة - عليه الصلاة والسلام- لا بأس، أما بعد الموت فلا، وهكذا إخوانك، رجل صالح من إخوانك ، صاحب صلاة، وصاحب عبادة تقول له: ادع الله لأخي وهو يسمع كلامك حي، ويطلب من الله لك أن الله يغفر لك ، أن الله يصلح حالك ، يصلح ذريتك ، لا بأس، المقصود أن الحي الحاضر القادر لا بأس أن تطلبه ما يستطيعه، كأن يدعو لك ، كأن يقرضك شيئاً من ماله ، من حاجتك، كأنك تعامله في شيء، لا بأس بهذه الأمور التي بينك وبين الحي الحاضر القادر، أما الموتى لا ، الموتى لا يطلب منهم شيء، ولا يسألون ولا يستغاث بهم ، هكذا الجمادات، كالجبال والأصنام والكواكب وما أشبه ذلك ، لا تسأل ولا يستغاث بها ، وهكذا الغائبون من الجن والملائكة لا يسألون ولا يستغاث بهم، كل هذا من الشرك بالله - عز وجل-، لا ..... فعله مع الملائكة ولا مع الجن ولا مع الأموات ولا مع الجمادات ، ولكن تطلب ربك حاجتك ، تسأله – سبحانه- أن يشفي مريضك ، أن ينصرك على عدوك، تسأله المدد من فضله بالعون والتوفيق والهداية، كل هذا يطلب من الله - سبحانه وتعالى-، رزقنا الله وإياك الاستقامة والبصيرة.