شرح قوله تعالى وأما الذي سعدو ا ففي الجنة خالدين فيها إلا ماشاء ربك

أرجو شرح معنى هذه الآية التي احترت في فهم معناها كثيراً، والقول الراجح في تفسيرها، يقول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ *خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108] هل يفهم من هذا أن من دخل الجنة يخرج منها إذا شاء الله؟ وهل نسخت هاتان الآيتان بشيء من القرآن إذ أنهما وردتا في سورة مكية؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فإن أشكر السائل على دعواته لإخوانه المشايخ, وأسأل الله أن يستجيب دعاءه, وأن يوفق الجميع لما يرضيه, كما أشكره على حبه لي في الله, وأقول أحبه الله الذي أحبني لأجله. أما السؤال الآيتان ليستا منسوختين بل هما محكمتان, وقوله- جل وعلا-: إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ اختلف أهل العلم في بيان معنى ذلك مع إجماعهم بأن نعيم أهل الجنة دائم أبداً لا ينقضي ولا يزول ولا يخرجون منها, ولهذا قال بعدها سبحانه: عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ لإزالة ما قد يتوهم بعض الناس من أن هناك خروجاً, فهم خالدون فيها أبداً, وهذا العطاء غير مجذوذ يعني غير مقطوع, ولهذا في الآيات الأخرى الله يبين هذا المعنى فقول-سبحانه-: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ يعني آمنين من الموت, وآمنين من الخروج, وآمنين من الأمراض والأحزان وكل شجر وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ, فهم فيها دائمون لا يخرجون, وقال-عز وجل-: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ, فأخبر-سبحانه-أن أهل الجنة في مقام أمين لا يعتريه خراب ولا زوال, وأنهم آمنون أيضاً فلا خطر عليهم من موت, ولا مرض, ولا خروج, ولا حزن, ولا غير ذلك وأنهم لا يموتون أبداً, فعلم بهذا أن أهل الجنة مخلدون فقوله: إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ, قال بعض أهل العلم معناه مدة بقاؤهم في القبور هذا ليسوا في الجنة, وإن كان المؤمنون في روضة من رياض جنات النعيم لكن ذلك ليس هو الجنة وإنما هو شيء من الجنة, فإنه يفتح للمؤمن في قبره باب إلى الجنة يأتيه من ريحها, وطيبها, ونعيمها, ولكنه ليس محل الجنة بل ينقل إلى أبعد ذلك إلى الجنة فوق السماوات في أعلى شيء, وقال بعضهم معنى إلا ما شاء ربك يعني مدة مقامهم في موقف القيامة للحساب والجزاء هذا مستثنى بعد خروجهم من القبور فإنهم بعد ذلك ينتقلوا إلى الجنة, وقال بعضهم مجموع الأمرين مدة بقاؤهم في القبور ومدة بقاؤهم في الموقف ومرورهم على الصراط كل هذه الأوقات كلها زائدة ليسوا في الجنة لكن ينقلون منها إلى الجنة, فقوله: إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إلا وقت مقامهم في القبور, وإلا وقت مقامهم في الموقف, وإلا وقت مرورهم على الصراط فهم في هذه الحالة ليسوا في الجنة ولكنهم منقولون إليها وسائرون إليها, وبهذا يعلم أن المقام مقام واضح ليس فيه شبهة ولا شك ولا ريب, فأهل الجنة منعمون فيها وخالدون أبد الآباد لا موت, ولا مرض, ولا خروج, ولا كدر ولا حزن, ولا حيض ولا نفاس, ولا شيئا من الكدر أبداً, بل في نعيم دائم وخير دائم, وهكذا أهل النار مخلدون فيها أبد الآباد لا يخرجون منها ولا تخرب هي بل تبقى وهم باقون فيها, وقوله: إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ قيل فيه مدة بقاؤهم في المقابر, أو مدة مقامهم في الموقف مثلما تقدم في أهل الجنة, وهم بعد ذلك يساقون إلى النار ويخلدون فيها أبد الآباد نسأل الله العافية, كما قال -عز وجل- في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ, وقال- عز وجل- في سورة المائدة في حق الكفرة: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ, قال بعض السلف إن النار لها أمد ولها نهاية بعد ما يمضي عليها آلاف السنين والأحقاب الكثيرة إنها تنتهي وأنهم يموتون, أو يخرجون, وهذا قول ليس بشيء عند أهل السنة والجماعة قول ضعيف, والذي عليه عموم أهل السنة والجماعة وجمهور أهل السنة والجماعة أنها باقية أبد الآباد, وأنهم لا يخرجون منها, وأنها لا تخرب أيضاً بل هي باقية أبد الآباد, لظاهر القرآن الكريم, وظاهر السنة عن النبي- عليه الصلاة والسلام- نسأل الله العافية والسلامة. جزاكم الله خيراً ، ذلكم التفسير سماحة الشيخ الذي تفضلتم بعرضه وقلتم إنه قول لكثير من العلماء هل له مستند من الأحاديث أو من القرآن الكريم بالنسبة للفظ المشيئة في الآيتين؟ هذا مجمل هذا من المشتبه إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ هذا من المشتبه, ولهذا اختلف تفسيرهم له, ولكنهم يقيناً أنهم قبل دخولهم الجنة, هذا المستثنى قبل دخولهم الجنة, فإما أن يراد به مقامهم في القبور, أو مقامهم في موقف الحساب, وأما بعد دخولهم الجنة فلا يخرجون منها أبد الآباد بإجماع المسلمين. بارك الله فيكم