تصويت المسلم للكافر في الانتخابات

السؤال: هل يجوز للمسلم المتوكل على الله بحق أن ينتخب ويعطي صوته أو يبايع لصالح كافر أو كافرة بالله العلي، وربنا قد أنزل عليهم برائته من فوق سبع سماوات؟ أرجو منكم كلمة لمسلمي فرنسا.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن حكم المشاركة في الانتخابات له حالتان:

الحالة الأولى: حين يكون نظام الحكم إسلامياً، قد خضع وانقاد لحكم الله تعالى في قوانينه ولوائحه وأحكامه وأدبياته، وكان المنتخَبون يحملون المواصفات الشرعية لأهل الحل والعقد كالعلم والعدالة والاستقامة والرأي والحكمة وكانوا أهل شوكة في الناس يحلون الأمور ويَعْقدونها، فلا مانع عندئذ من المشاركة في انتخابات هذا وصفها، ولا يوجد فارق مؤثر بينها وبين الاختيار الذي كان يتم في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.

بل المشاركة فيها من إيصال الأمانة التي أمر الله بحفظها وتأديتها إلى أهلها. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء:58]. ومن الأمانة، اختيار أهل العلم والإيمان وتوسيد الأمر إليهم، ففي مسند أحمد وصحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

الحالة الثانية: أن يكون نظام الحكم غير إسلامي كالنظام الديمقراطي أو الشيوعي أو غيرهما من الأنظمة الوضعية المنافية للإسلام، ففي هذه الحالة الأصل هو المنع من المشاركة لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، ومنها: الركون إلى الظالمين وحضور مجالسهم واختلاط الحق بالباطل وعدم ظهور راية أهل الإيمان وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان، والله تعالى قد نهى عن ذلك كله فقال: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]. وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعا ً} [النساء:140]. وقال تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح:25].

ولكن إن رأى العلماء الراسخون أن المشاركة في هذه المجالس النيابية، تقتضيه مصلحة شرعية معتبرة كرفض الباطل أو التخفيف منه أو إظهار الحق أو بعضه دون الموافقة على إقرار باطل أو رد شيء من الحق فلا مانع منه حينئذ. والأولى بأهل العلم والفضل والذين يُقتدى بهم أن لا يدخلوا في ذلك، وإنما يوجهون الناس إلى ما يصلحهم من اختيار الأفضل أو الأقل سوءاً.

وحالتكم هي الحالة الثانية. ويتضح لك من الكلام السابق أن الحكم يختلف باختلاف الزمان والمكان والاجتهاد. ومعلوم لكل من جرب الانتخابات. أن المسلمين يحصلون قبيل الانتخابات كلاما معسولا وإذا حصل الكافر مراده فإن وعوده تذهب هباءا ويتكرر هذا في كل مكان. فلماذا المسلم لا يعتبر ويتعظ. ثم اعلم أنه حتى لو جازت المشاركة فيها. يشترط أن لا يؤدي ذلك إلى ترك أوامر الله تعالى. فالله أمر ببغض الكفار ومعاداتهم والهجرة من أرضهم وعدم الركون إليهم فإن أدى الدخول في الانتخابات إلى الركون إلى الكفار أو عدم السعي للهجرة والخروج من أرضهم. فعند ذلك لا يجوز. والله أعلم.
29-4-1428ه 16-5-2007

المصدر:موقع الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود.