الإجابة:
الحمد لله
من المهم أن نعلم أولا أن مصطلح التصوف والصوفية من المصطلحات الحادثة
، والتي لم يعلق عليها مدح شرعي ، فتمدح أو يمدح صاحبها بإطلاق ،
مثل أسماء الإيمان ، والإسلام ، والإحسان ، ولم يعلق عليها أيضا ذم
شرعي ، فتذم أو يذم صاحبها أيضا بإطلاق ، مثل ألفاظ الكفر والفسوق
والعصيان .
وما كان كذلك فإنه ينبغي الاستفصال عن حقيقة حاله ، وما يراد به قبل
إطلاق القول فيه . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( لفظ
الفقر والتصوف قد أدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله ، فتلك يؤمر بها ،
وإن سميت فقرا أو تصوفا ؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم
يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر ، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب ،
كالتوبة والصبر ... وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله ؛ كما يدخل
فيها بعضهم نوعا من الحلول والاتحاد ، وآخرون نوعا من الرهبانية
المبتدعة في الإسلام ، وآخرون نوعا من المخالفة للشريعة ، إلى أمور
ابتدعوها ، إلى أشياء أخر ، فهذه الأمور ينهى عنها بأي اسم سميت ، ...
وقد يدخل فيها التقييد بلبسة معينة ، وعادة معينة ، في الأقوال
والأفعال ، بحيث من خرج عن ذلك عد خارجا عن ذلك ، وليست من الأمور
التي تعينت بالكتاب والسنة ، بل إما أن تكون مباحة ، وإما أن تكون
ملازمتها مكروهة ، فهذا بدعة ينهى عنه ، وليس هذا من لوازم طريق الله
وأوليائه ، فهذا وأمثاله من البدع والضلالات يوجد في المنتسبين إلى
طريق الفقر ، كما يوجد في المنتسبين إلى العلم أنواع من البدع في
الاعتقاد والكلام المخالف للكتاب والسنة ، والتقيد بألفاظ واصطلاحات
لا أصل لها في الشريعة ، فقد وقع كثير من هذا في طريق هؤلاء .
والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة ، وأطاعوا
الله ورسوله ، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة أو عصوا فيه
الله ورسوله ، ويقبل من كل طائفة ما جاء به الرسول ، .....،ومتى تحرى
الإنسان الحق والعدل ، بعلم ومعرفة ، كان من أولياء الله المفلحين ،
وحزبه الغالبين . ) انتهى . ( الفتاوى 11/28029 ) .
غير أن ما قاله شيخ الإسلام من التفصيل في حال المنتسبين إلى التصوف
يوشك أن يكون نظريا في واقعنا المعاصر ، حيث صارت المحاذير التي أشار
إليها شيخ الإسلام ملازمة لمسلك المنتسبين إلى التصوف في زماننا ،
فضلا عما التزموه من الأعياد والموالد المبتدعة ، وغلوهم في مشايخهم
الأحياء ، وتعلقهم بالمشاهد والقبور ، يصلون عندها ، ويطوفون حولها ،
وينذرون لها ، إلى آخر ما هو معلوم من مسالكهم . ولهذا كله كان إطلاق
القول بالتحذير من مسالكهم متوجها الآن ، وهو الذي اعتمدته اللجنة
الدائمة في جوابها عن سؤال حول حكم الطرق الصوفية الموجودة الآن ،
فقالت :
( الغالب على ما يسمى بالتصوف الآن العمل بالبدع الشركية ، مع بدع
أخرى ، كقول بعضهم : مدد يا سيد ، وندائهم الأقطاب ، وذكرهم الجماعي ،
فيما لم يسم الله به نفسه ، مثل : هو هو ، وآه آه ، ومن قرأ كتبهم عرف
كثيرا من بدعهم الشركية ، وغيرها من المنكرات . ) اه
وأما جماعة التبليغ فهي من الجماعات العاملة في حقل الدعوة إلى الله ،
لها الكثير من الحسنات ، والجهد المشكور ؛ وكم تاب على أيديهم من عاص
، وتنسك من فاسق ، إلا أنها لا تخلو من بعض البدع في العلم والعمل ،
نبه عليها أهل العلم ، لكنها لا توصف على كل حال بأنها من الفرق
الضالة . وقد سبق قول شيخ الإسلام : والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما
وافقوا فيه الكتاب والسنة ، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب
والسنة .