الإجابة:
الحديث لا إشكال فيه مع القول بتكفير تارك الصلاة، لأن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من أحسن وضؤهن، وأتم
ركوعهن وخشوعهن"، ثم قال: "ومن لم
يفعل..." الخ، أي ومن لم يُحسن الوضوء، ولم يُتم الركوع،
والخشوع وهذا أخص من مجرد الترك، فيكون المراد به من لم يفعلهن
مطلقاً.
وأما كون الكفر يكون أكبر ويكون أصغر دون ذلك: فهذا صحيح، لكن احتمال
أن يكون المراد بكفر تارك الصلاة الكفر الأدون تأباه ظواهر النصوص من
الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، بل صريحها في البعض.
وأما كون مذهب أهل السنة أن لا يكفر العاصي بالكبيرة فهو حق، وهو
عقيدتنا أن العاصي لا يكفر، ولا يخرج من الإيمان بكبيرته، حتى وإن
سميت كفراً كقتال المؤمن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً
ومع ذلك فإنه لا يخرج من الإيمان لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}، لكن تارك الصلاة ليس من عصاة المؤمنين
بل هو خارج عن الإسلام، بدلالة النصوص والآثار، فلا يدخل تحت قاعدة
مذهب أهل السنة في فاعل الكبيرة.
وأما ما ذكره من محاجة الشافعي لأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى، فلا
أظن هذه المحاجة تصح عند من تأملها، ثم على تقدير صحتها فالمرجع في
الحكم إلى الله ورسوله كما قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً}.
وأما دخول المرء في الإسلام بالشهادتين فهذا صحيح لكن للشهادتين لوازم
بعضها يؤدي عدم الالتزام به إلى الكفر، أرأيت لو شهد أن لا إله إلا
الله وأن محمداً رسول الله وكذَّب بعض ما أخبر الله به ورسوله أفلا
يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة؟!
والحاصل أن الحكم بالتكفير وعدمه راجع إلى الله ورسوله فإذا دل كتاب
الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو هما جميعاً على كفرِ
شخصٍ بفعل، أو بتركٍ وجب علينا قبوله، وليس لنا الحق في رد ذلك، أو
التوقف فيه مع صحة الدليل ووضوح الدلالة، كما أنه ليس لنا أن نرد أو
نتوقف فيما دل على حل شيء أو حرمته لأن الكل حكم الله الذي له الحكم
وإليه يرجع الأمر كله.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني عشر -
باب الصلاة.