آداب دخول الكعبة وهل دخلها النبي في حجته؟

السؤال: دخول الكعبة المشرفة: هل هو مسنون أم لا، وهل دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في حجة الوداع أم في غيرها، وما آداب دخول الكعبة. ومن لم يتمكن من دخول الكعبة فماذا يصنع؟ أفيدونا أثابكم الله.

الإجابة

الإجابة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله تعالى: ودخول نفس الكعبة ليس بفرض ولا سنة مؤكدة، بل دخولها حسن، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخلها في الحج، ولا في العمرة؛ لا عمرة الجعرانة، ولا عمرة القضية، وإنما دخلها عام فتح مكة. ومن دخلها يستحب له أن يصلي فيها، ويكبر الله، ويدعوه، ويذكره. فإذا دخل من الباب تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، والباب خلفه؛ فذلك هو المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يدخلها إلا حافيا. والِحجْر أكثره من البيت من حيث ينحني حائطه، فمن دخله فهو كمن دخل الكعبة، وليس على داخل الكعبة ما ليس على غيره من الحجاج، بل يجوز له المشي حافيا، وغير ذلك مما يجوز لغيره. انتهى.

وقال في (الغاية وشرحها): وسن دخول البيت -أي الكعبة- والحِجْر منه -أي البيت- حافيا: بلا خف، وبلا نعل، وبلا سلاح -نصا- ويكبر ويدعو في نواحيه، ويصلي فيه ركعتين، ويكثر النظر إليه؛ لأنه -أي النظر إلى البيت- عبادة، ولا يرفع بصره لسقفه؛ لأنه إساءة أدب، ولا يشتغل بذاته -أي البيت- بل يكون مشتغلا بإقباله على ربه، خاشعا بقلبه، متواضعا متذللا متضرعا متبتلا، متوسلا إلى الله بأسمائه وصفاته وآياته وكلماته: أن يمن عليه بحسن الختام، ويدخله الجنة دار السلام، انتهى.

وقال ابن القيم في (زاد المعاد) (2): زعم كثير من الفقهاء وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت في حجته، ويرى كثير من الناس أن دخول البيت من سنن الحج؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. والذي تدل عليه سنته أنه لم يدخل البيت في حجته، ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح، ففي (الصحيحين) (3) عن ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقة لأسامة، حتى أناخ بفناء الكعبة، فدعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فجاءه به ففتح، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة، فأجافوا عليهم الباب مليا، ثم فتحوه. قال عبد الله: فبادرت الناس، فوجدت بلالا على الباب. فقلت: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بين العمودين المقدمين. قال: ونسيت أن أسأله كم صلى.

والمقصود أن دخوله صلى الله عليه وسلم البيت إنما كان في غزوة الفتح، لا في حجة ولا في عمرة. وفي (صحيح البخاري) (4) عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أَدَخَلَ النبي صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته؟ قال: لا.

وسألته عائشة أن تدخل البيت، فأمرها أن تصلي في الحِجْر ركعتين (5). وقال ابن القيم (6) في الكلام على غزوة الفتح: لما دخل صلى الله عليه وسلم وطاف بالبيت على راحلته، فلما أكمله، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت، فدخلها، ثم أغلق عليه الباب وعلى أسامة وبلال، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب، حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف، وصلى هناك، ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحد الله، ثم فتح الباب. وذكر ابن سعد في (الطبقات) (7) عن عثمان بن طلحة قال: كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الإثنين والخميس، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس، فأغلظت له، ونلت منه، فحلم عني، ثم قال: "يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت"، فقلت: لقد هلكت قريش يومئذ وذلت. فقال: "بل عَمَرَتْ وعَزَّتْ يومئذ"، ودخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعا ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال. فلما كان يوم الفتح قال: "يا عثمان، ائتني بالمفتاح"، فأتيته به، فأخذه مني، ثم دفعه إلي، وقال: "خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف"، قال: فلما ولَّيت، ناداني، فرجعت إليه، فقال: "ألم يكن الذي قلت لك؟" قال: فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: "لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت"، فقلت: بلى، أشهد أنك رسول الله. وذكر سعيد بن المسيب أن العباس تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة. انتهى، والله أعلم.

___________________________________________

1 - (الفتاوى) (26/ 144،145).
2 - (2/ 296).
3 - البخاري (1329)، ومسلم (1598).
4 - البخاري (1600، 1791) بنحوه، وهذا اللفظ عند مسلم (1332).
5 - أبو داود (2028)، والترمذي (876) وقال: حسن صحيح، وأحمد (6/ 92).
6 - (الزاد) (3/406- 409) بتصرف.
7 - أخرجه بنصه الواقدي في (المغازي) (2/ 837، 838)، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) (2/ 137) وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) (1/ 247،248)، والطبراني في (الكبير) (11/ 120) من حديث ابن عباس، مختصرا.