ما حُكم التوسّل بِجاه النبي، أو بِحقّه؟

السؤال: ما حُكم هذا الدعاء؟ يا رب أدعوك وأترجاك بيومك الفضيل، وبكل اسم سميت به نفسك عرفناه أم لم نعرفه، وجاه حبيبك المصطفى، أن تشفي لي أخي فلان من كل مرض ألمّ به. يا شافي يا مُعافي، وتصبره على مرضه يا مصبر، وتفرج كربه يا مفرج الكروب يا الله. وما حُكم الدعاء بِحق المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

الإجابة

الإجابة: لا يجوز هذا الدعاء ففيه اعتداء من جهتين:

الأولى: السؤال باليوم الفضيل، إذ لا يَجوز السؤال باليوم، وإنما لو قال: "في هذا اليوم المبارك"، ونحوه جاز.

والثاني: السؤال بِجاهِ النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجوز التوسّل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن التوسّل بجاهه صلى الله عليه وسلم من بِدع الدعاء.

فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يتوسّلوا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم مع شدّة تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفتهم بقدره، ومع بلوغهم المرتبة القصوى في محبته صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

السؤال بالمعظّم كالسؤال بحق الأنبياء، فهذا فيه نزاع، وقد تقدم عن أبى حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز ذلك، ومن الناس من يجوِّز ذلك، فنقول: قول السائل لله تعالى: "أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم" أو "بجاه فلان" أو "بحرمة فلان" يقتضى أن هؤلاء لهم عند الله جاه وهذا صحيح، فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضى أن يرفع الله درجاتهم ويعظم أقدارهم ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا، مع أنه سبحانه قال: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم مما يقتضى إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه أيضاً إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله، أو تأسّى بهم فيما سَنُّوه للمؤمنين، وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه.

فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة ولا مِنْه سبب يقتضى الإجابة لم يكن متشفعاً بجاههم، ولم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له عند الله، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه، ولو قال الرجل لِمُطَاعٍ كبير: "أسألك بطاعة فلان لك، وبحبِّك له على طاعتك، وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك" لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلّق له به، فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ومحبته لهم وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم، أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب.

نعم، لو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحبته له وطاعته له واتِّباعه لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضى إجابة الدعاء، بل هذا أعظم الأسباب والوسائل.أ.ه.

ومما يَستدل به من يتوسّل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ما يُروى عنه عليه الصلاة والسلام: "إذا سألتم الله فاسألوه بِجاهِي، فإن جاهي عند الله عريض"، وهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تجوز روايته، ولا يَحِلّ تناقله إلا على سبيل التحذير منه.

يقول علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره:

إن لَفظ: (الجاه) الذي يُضيفونه إلى الأنبياء والأولياء عند التوسّل، مفهومه العرفي هو السُّلْطة، وإن شئت قلت نفاذ الكلمة عند من يُستَعمل عليه أو لديه، فيُقال: فلان اغتصب مال فلان بِجاهِه، ويُقال: فلان خلّص فُلاناً من عقوبة الذنب بِجاهِه، لدى الأمير أو الوزير مثلاً، فَزَعْمُ زاعِم أن لفلان جاهاً عند الله بهذا المعنى، إشراك جَليّ لا خَفيّ. وقلّما يَخطر ببال أحد من المتوسِّلِين معنى اللفظ اللغوي، وهو المنزلة والقَدْر، على أنه لا معنى للتوسّل بالقَدْر والمنزلة في نفسها؛ لأنه ليست شيئاً يَنْفَع. وإنما يكون لذلك معنى، لو أُوِّلَتْ بِصِفة من صفات الله، كالاجتباء والاصطفاء، ولا علاقة لها بالدعاء، ولا يُمكن لِمُتوسِّل أن يَقصدها في دعائه.أ.ه.

ويُنظر لذلك: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1/356 ) و( 27/82 )، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 1/153)، والتوسل -أنواعه وأحكامه- ص 128 الألباني.

والله تعالى أعلم.



نقلاً عن موقع المشكاة.