تخفيف المهر هو السنة

السؤال: يلاحظ أن الناس الآن يزيدون جدا في المهر في النكاح ، فعل هذا من السنة ؟ وهل حدد الشرع مقدارا معينا للمهر لا يزاد عليه ؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله

فإن الزواج نعمة من نعم الله تعالى ، وآية من آياته ، قال الله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [الروم:21]

وأمر الله تعالى الأولياء أن يزوجوا من تحت ولايته { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم } [النور:32]

وذلك لما يترتب على النكاح من المصالح العظيمة ، كتكثير الأمة ، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم لغيره من الأنبياء ، وتحصين الرجل والمرأة من الوقوع في المحرم . . . وغير ذلك من المصالح العظيمة .

ولكن بعض الأولياء وضعوا العقبات أمام الزواج ، وصاروا حائلا دون حصوله في كثير من الحالات.

وذلك بالمغالاة في المهر ، وطلبهم من المهر الشيء الكثير مما يعجز عنه الشاب الراغب في الزواج .

حتى صار الزواج من الأمور الشاقة جدا لدى كثير من الراغبين في الزواج .

والمهر حق مفروض للمرأة ، فرضته الشريعة الإسلامية ، ليكون تعبيرا عن رغبة الرجل فيها ، قال الله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } [النساء:4]

ولا يعني هذا اعتبار المرأة سلعة تباع ، بل هو رمز للتكريم والإعزاز ، ودليل على عزم الزوج على تحمل الأعباء وأداء الحقوق .

ولم يحدد الشرع المهر بمقدار معين لا يزاد عليه ، ومع ذلك فقد رغب الشرع في تخفيف المهر وتيسيره .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : «خير النكاح أيسره» رواه ابن حبان . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3300) .

وقال صلى الله عليه وسلم : «خير الصداق أيسره » رواه الحاكم والبيهقي . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3279) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد الزواج : « التمس ولو خاتما من حديد » متفق عليه .

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته المثل الأعلى في ذلك ، حتى ترسخ في المجتمع النظرة الصادقة لحقائق الأمور ، وتشيع بين الناس روح السهولة واليسر .

روى أبو داود (2125) والنسائي (3375) - واللفظ له - عن ابن عباس أن عليا قال :«تزوجت فاطمة رضي الله عنها ، فقلت : يا رسول الله ، ابن بي - وهو الدخول بالزوجة - . قال : أعطها شيئا . قلت : ما عندي من شيء . قال : فأين درعك الحطمية ؟ قلت : هي عندي . قال : فأعطها إياه » صححه الألباني في صحيح النسائي (3160) .

فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة .

وهذا يؤكد أن الصداق في الإسلام ليس مقصودا لذاته .

وروى ابن ماجه (1887) أن عمر بن الخطاب قال : لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليثقل صدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ويقول قد كلفت إليك علق القربة. صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1532) .

(لا تغالوا) أي لا تبالغوا في كثرة الصداق . . .
( وإن الرجل ليثقل صدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه) أي حتى يعاديها في نفسه عند أداء ذلك المهر لثقله عليه حينئذ أو عند ملاحظة قدره وتفكره فيه . . .
(ويقول قد كلفت إليك علق القربة ) حبل تعلق به أي تحملت لأجلك كل شيء حتى الحبل الذي تعلق به القربة اه من حاشية السندي على ابن ماجه .
اثنتا عشرة أوقية تساوي أربعمائة وثمانين درهما أي مائة وخمسة وثلاثون ريال فضة تقريبا (134.4)

فهذا كان صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم ونسائه .

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (32/194) :  فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق ، وكذلك صداق أمهات المؤمنين ، وهذا مع القدرة واليسار ، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة اه .

وقال أيضا في "الفتاوى الكبرى" : "وكلام الإمام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه يستحب أن يكون الصداق أربعمائة درهم , وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه" اه .

وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (5/178) بعض الأحاديث الدالة على تخفيف المهر وأنه لا حد لأقله ثم قال : فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله . . . وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره اه .

وبهذا يتبين أن ما يفعله الناس الآن من زيادة المهور والمغالاة فيها أمر مخالف للشرع .

والحكمة من تخفيف الصداق وعدم المغالاة فيه واضحة : وهي تيسير الزواج للناس حتى لا ينصرفوا عنه فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة .