صرف زكاة الفطر لغير المسلمين

السؤال عن صدقة الفطر، هل يجوز إعطاؤها لغير المسلمين؟

الإجابة

الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه, أما بعد: فقد شرع الله -عز وجل- للمسلمين أن يحسنوا إلى غيرهم من الكفار وغير الكفار, وأن يعطوا المؤلفة قلوبهم من الزكاة وغيرها؛ تأليفاً لقلوبهم على الإسلام وتقويةً لإيمانهم ،ودعوةً لغيرهم إلى الدخول في الإسلام، ودفعاً لشر من يُخشى شره، ولهذا قال جل وعلا: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ...الآية (60) سورة التوبة. فجعل لهم نصيبهم من الزكاة. قال جماعة من العلماء: هم السادة المطاعون في عشائرهم، الكبراء والأعيان الذين إذا أعطوا نفع العطاء فيهم بقوة إيمانهم أو بإسلامهم إن كانوا كفارا، أو بإسلام من ورائهم أو بدفع شرهم إذا كان يخشى شرهم كل هذا من السياسة الشرعية، ويجوز أن يعطوا من غير الزكاة، من بيت المال، من صدقات المسلمين تأليفاً لقلوبهم. ودفعاً لشرهم إذا خُشيَ شرهم، ودعوةً لغيرهم إلى الإسلام، قال الله -عز وجل- في كتابه العظيم في سورة الممتحنة: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) سورة الممتحنة. فأخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن هؤلاء الذين لم يقاتلونا في الدين, ولم يخرجونا من ديارنا أن نحسن إليهم ونبرهم ونقسط إليهم؛ لما في ذلك من تأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام ودفع شرهم إذا خُشِي شرهم، فيعطوا من بيت المال ويعطيهم المسلمون من أموالهم وصدقاتهم جبراً لحاجتهم وسداً لها، وتأليفاً لقلوبهم ودعوةً لهم إلى الإسلام، أو حرصاً على قوة إيمانهم إن كانوا مسلمين، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- لما قدمت عليها أمها وكانت هدنة وهي كافرة تريد الصلة والإحسان, قال لها -صلى الله عليه وسلم-:"صِلي أمّك" من باب التأليف والإحسان لأمها وهي على دين قومها في حال الهدنة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أهل مكة. وكان عمر يصل بعض أقاربه في مكة وقت الهدنة –رضي الله عنه- والمقصود أن الصلة والإحسان للكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب في حال الهدنة, أو في حال العهد والذمة, أو في حال الأمان، إذا رآها ولي الأمر، أو رآها إنسان مع أقاربه أو مع غيرهم لا بأس بها، بل فيها تأليف للقلوب ودعوة إلى الإسلام وترغيب فيه، ليعلموا أن الإسلام يُرغِّب في الإحسان, ويدعو إلى الإحسان مع أهله ومع غير أهله ممن ليس حرباً لنا، وكم حصل بالإحسان الخير العظيم. جماعة كثيرون كانوا .... النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعادونه ولما أحسن إليهم وواساهم أحبوه ودخلوا في الإسلام، ومن ذلك صفوان بن أمية -رضي الله عنه- قال رضي الله عنه- ما هناك أحد أبغض إلي من محمد -عليه الصلاة والسلام- فلم يزل يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إليّ، وحتى أدخل الله عليَّ الإسلام، هذا كلامه أو معناه، وهكذا قال غيره ممن أحسن إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد جاءه أعرابي يسأله فأعطاه غنماً, فذهب إلى قومه وقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. المقصود أن الإحسان في المسلم وغيره ينفع كثيرا، يقوي إيمان المسلم إذا أعطاه ولي الأمر، أو أعطاه المسلمون، أو أعطاه إخوانه من زكاتهم وصدقاتهم وهو محتاج يقوى إيمانه، ويقوى حبه لإخوانه المسلمين ويقوى عمله في الإسلام، وإذا أحسن المسلمون إلى غيرهم من الكفار، ولاسيما الرؤساء والكبار كان ذلك فيه خير عظيم، فيه دعوة لهم للإسلام، وإخبار لهم بما في الإسلام من الخير والإحسان والجود على خصومه إذا لم يكونوا حربيين. فالإسلام يأمر بالإحسان والجود والكرم في فقراء المسلمين وفي فقراء غيرهم ممن لهم ذمة أو أمان أو عهد؛ يتألفهم بذلك المؤمن ويدعوهم إلى أن يدخلوا في الإسلام ويحببوا الإسلام إليهم, فينبغي للمؤمن أن يلاحظ ذلك مع أقاربه ومع جيرانه إذا كان في بلده فيه كفار وهناك أمن بينهم لا حرب أن يحسن إليهم؛ حتى يرغبهم في الإسلام وحتى يقوي إيمانهم إن كانوا مسلمين، أما الزكاة فتدفع إلى الرؤساء والكبار عند الجمهور، إنما تدفع إلى الرؤساء والأعيان، والسادة تأليفاً لهم إن كانوا مسلمين وتقويةً لإيمانهم، ودعوةً لهم للإسلام إن كانوا غير مسلمين ودعوةً لغيرهم ممن وراءهم، ودفعاً لشرهم إن كان فيهم شر. أما صدقة التطوع فهي عامة للرؤساء وغير الرؤساء من الكفار الذين ليس بيننا وبينهم حرب يعطون من المال ويحسن إليهم بغير المال من شفاعة تنفعهم, أو تفريج كربة أو دفع شر عنهم ليرغبوا في الإسلام وليتوجهوا إليه بقلوبهم، وليعرفوا فضله وفضل أهله. والله المستعان. - سماحة الشيخ هذا الوجه من السياسة الشرعية يجهله كثير من المسلمين؟ صحيح. - تتفضلون بكلمة حول هذا الموضوع جزاكم الله خيرا؟ ج/ لا شك أن هذا الأمر يجهله كثير من الناس, فينبغي أن يعلم ولهذا جعل الله للمؤلفة قلوبهم حقاً في الزكاة وحقاً في بيت المال، فعلى ولي الأمر أن يلاحظ ذلك، وأن يعتني بالمؤلفة قلوبهم حتى يكونوا عوناً للمسلمين وحتى يرغبوا في الإسلام, أو يكفوا شرهم عن المسلمين ،وهكذا أفراد المسلمين يحسنون إلى جيرانهم إذا كانوا في بلادٍ فيها كفار، يحسنون إليهم ويرغبونهم في الإسلام ويعطونهم من صدقاتهم ما يرغبهم في الإسلام، وإذا كانوا من السادة والكبراء أعطوهم أيضاً من الزكاة لعلهم يسلمون أو يسلم من وراءهم وأشباههم. نسأل الله أن يفقه المسلمين في دينه، وأن يعينهم على كل خير.