وطء الزوجة في دبرها

سؤالي حول وطء الزوجة في دبرها، فقد قرأت في كتاب المغني لابن قدامة الجزء السابع صفحة رقم (22)، فصل: ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم، منهم، علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال، وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك، واحتج من أجله بقول الله تعالى: نساؤكمْ حرْث لكمْ فأْتوا حرْثكمْ أنى شئْتمْ[البقرة:223] وقوله سبحانه: والذين همْ لفروجهمْ حافظون * إلا على أزْواجهمْ أوْ ما ملكتْ أيْمانهمْ ... [المؤمنون:5-6]، فما رأي الدين في قول الذين أباحوا ذلك واحتجاج الإمام مالك بالآيتين الكريمتين؟ أرجو بيان حكم الدين بذلك، وفي قول الإمام مالك وابن عمر وزيد بن أسلم ونافع،

الإجابة

هذه المسألة مما قامت الأدلة الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدلالة على تحريمها، وهي مسألة الوطء في الدبر، هذه هي اللوطية المعروفة، ويقال لها: اللوطية الصغرى، فهي محرمة، هذه المسألة محرمة ومنكر، ومن الكبائر، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحذر من ذلك وتبين أن وطء الدبر من الزوجة أمر محرم ومنكر، ومنه قال عامة أهل العلم وجمهورهم، للأحاديث الواردة في ذلك منها قوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأةً في دبرها)، رواه الترمذي والنسائي بإسنادٍ صحيح وأحمد رحمة الله عليهم، ومنها قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن) وفي لفظ: (في أعجازهن)، ويروى عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) في أحاديث كثيرة كلها دالة على تحريم الوطء في الدبر. أما قوله -جل وعلا-: نساؤكمْ حرْث لكمْ فأْتوا حرْثكمْ أنى شئْتمْ[البقرة:223]. فهي كما دلت عليه الأحاديث، الحرث هو الفرج، هذا محل الحرث، والقبل. أما الدبر فليس محل حرث ولكنه محل قذر، محل غائط، فليس محل حرث، وإنما حرث الإنسان قبل زوجته، محل الولادة، محل البذر يطؤها فيه، يحصل بذرة من المني، ثم إذا أراد الله شيئاً انعقد ذلك المني مع منيها وجاء الولد، فالقبل هو محل الحرث، وليس الدبر، الدبر محل القذر، محل النجاسة، والقبل هو محل الحرث، وفي الحديث الآخر: لما قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول أكذبهم الله، وأنزل قوله سبحانه: نساؤكمْ حرْث لكمْ فأْتوا حرْثكمْ أنى شئْتمْ[البقرة:223] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (في صمام واحد)، إذا كان في صمام واحد، يعني في القبل، هو الصمام يعني محل الحرث. فالحاصل أن الأحاديث الصحيحة وأقوال أئمة العلم من الصحابة ومن بعدهم كلها دلت على تحريم وطء الدبر. أما ما يروى عن ابن عمرو أنه أجازه على ابن عمرو فهو غلط على ابن عمر، والصواب أنه لا يثبت عن ابن عمرو، وإنما أراد ابن عمرو أنه يجوز أن تؤتى من قفاها في قبلها، يعني يأتيها من دبرها في قبلها، يعني يكون من الدبر وهي مثلاً على جنبها أو كالساجدة فيأتيها من جهة قفاها في قبلها، في الفرج، لا في الدبر نفسه، فقد غلط بعض الناس وظن أنه يجيز الوطء في الدبر، وإنما يأتيها مدبرةً في قبلها، لا في دبرها، هذا هو الذي أراده ابن عمرو وغيره ممن نقل عنه ذلكز ولو فرضنا أن بعض التابعين أو من بعدهم أجازه صريحاً وتوهم وغلط في هذا فقولهم مردود وباطل لا يلتفت إليه، لأنهم مصادم للآية الكريمة، ومصادم للأحاديث الصحيحة، وكل قولٍ يخالف ما قاله الله ورسوله فهو واجب الاطراح، وواجب الترك ولا يلزم أن تعرض به السنة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما لا يجوز أن يعرض به ما قاله الله -عز وجل- فالله قال: نساؤكمْ حرْث لكمْ فأْتوا حرْثكمْ أنى شئْتمْ[البقرة:223]، فالحرث هو محل القبل فقط. وكذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن). وقال: (لا ينظر الله إلى رجلاً أتى امرأته في دبرها)، ويروى عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (معلون من أتى امرأته في دبرها)، وجاء في حديث ابن عمرو ...... عبد الله بن عمرو بسندٍ جيد وموقوف أنه سئل عن الوطء في الدبر فقال: اللوطية الصغرى. فالحاصل أنه محرم بالنص وبقول أهل العلم الذي هو كالإجماع، وما يروى عن ابن عمرو أو ابن أسلم أو مالك كله لا أصل له ولا صحة له، ولا يثبت عن مالك إباحة فيما نعلم، وإنما أوهام وأغلاط من بعض الرواة عنه والمنتسبين إليه، أما المحفوظ عنه -رحمه الله- فهو المنع، وعدم جواز الوطء في الدبر، وهكذا المحفوظ عن ابن عمرو، وهو المنع وليس الجواز، وإنما توهم بعض الناس في بعض الروايات عنه أنها تؤتى في دبرها في قبلها، فظنوا أنه يجيز الوطء في الدبر، وإنما أراد أن تؤتى من جهة الدبر في القبل نفسه، في الفرج نفسه، في الدبر الذي هو محل القذر، هذا هو الحق وهو كالإجماع من أهل العلم، وخلاف الذي جاء عن بعض السلف شاذ لا يلتفت إليه ولا يعول إليه بل هو منكر وباطل.