حكم الطلاق في طهر جامعها فيه

حصل بيني وبين زوجتي خلافٌ وغضبت غضباً شديداً وطلقتها بالثلاث، كل طلقة لوحدها، بأن قلت: طالق, ثم طالق, ثم طالق، وقد أتتها العادة الشهرية في ذلك اليوم بعد الطلاق، وقد استفتيت أحد العلماء وأفتاني بجواز رجوعها، واسترجعتها بأن أشهدت شاهدين، وبعد مرور عامٍ منعتها من أن تذهب إلى أحد الجيران ولم تمتنع، وجاءتني وأنا غاضب وطلقتها طلقتين، وأريد الآن أن استرجعها مرةً أخرى، وقد سمعت بأن طلاقي الأول لا يجوز أن استرجعها بعده، فما هو الحكم الصحيح في هذا الموضوع؟

الإجابة

الطلاق الأول فيه تفصيل فإن كان في طهر جامعتها فيه فالصحيح أنه لا يقع لما ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم – راجعها, وبين له أن الطلاق الشرعي يطلقها في قبول عدتها طاهراً أو حاملاً, لقوله تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)(الطلاق: من الآية1), قال العلماء : معنى ذلك طلقوهن طاهرات من غير جماع, فإذا كان الطلاق وقع في طهر لم يجامعها فيه, وكان الغضب ليس بشديد فقد وقع الطلاق وراجعها لا محل لها والذي أفتاه في ذلك قد أفتاه بغير صواب, أما إن كان الطلاق وقع في شدة غضب يعني كان بينهما خصام شديد حتى استحكم عليه الغضب, واشتد به الغضب ولم يملك نفسه في ذلك فإن الطلاق حينئذ لا يقع, فيكون السائل حينئذ قد أمسك زوجته ولا يسمى رجعه وإنما ردها إليه لكون الطلاق لم يقع ، والخلاصة أن السائل المذكور له حالان : إحداهما أن يكون طلق في طهر جامعها فيه هذا لا يقع على الصحيح وإن كان الجمهور على خلاف؛ لكن هذا قول جماعة من السلف أنه لا يقع لحديث ابن عمر لكونه طلق في غير العدة فلا يقع ، الحال الثاني : أن يكون طلق في طهر لم يجامعها فيه؛ لكنه قد اشتد به الغضب شدة واضحة ليس غضباً عادياً ، غضب شديد؛ لأنه طال النزاع بينهما أو المسابة أو المشاتمة حتى استحكم به الغضب واشتد به الغضب حتى قارب عدم الشعور ففي شدة الغضب هذا لا يقع أيضاً على الصحيح؛ لأن شدة الغضب تجعل الإنسان كالمجنون وكالمعتوه لم يميز ما يضره وما ينفعه, ويكون كالمكره المدفوع بالقوة حتى أوقع الطلاق, ففي هاتين الحالتين هذا الطلاق غير واقع ، أما إن كان الغضب ليس شديداً بل عادياً وكان طلقها في طهر لم يجامعها فيه فإن الطلاق ماضي وعليه أن يفارقها ويبتعد عنها, والطلاق الأخير غير واقع؛ لأنه صادفها غير زوجه, وإن كان قد وطئها فوطؤه لها ليس في محله، ويكون الطلاق الأخير صادف في غير نكاح فلا يقع وتكون قد بانت بالطلاق الأول, وعليه التوبة إلى الله ، عليك أيها السائل التوبة إلى الله من ردك إياها وجماعك إياها بعد الطلاق، هذا هو الجواب عن هذا السؤال ، وأرجوا أن السائل فهمه؛ لأن السؤال مهم والجواب مهم وأعيده مرة أخرى : أيها السائل لك حالان ، إحداهما : أن تكون طلقتها في طهر جامعتها فيه, أو في حالة ثانية وهي شدة الغضب الشديد الذي يشبه أن تكون فاقد الشعور لشدة الغضب بسبب طول النزاع, أو المضاربة, أو المشاتمة فالطلاق في هاتين الحالتين غير واقع وزوجتك معك ، وينظر في الطلاق الأخير، أما إن كنت طلقتها في طهر لم تجامع فيه والغضب ليس بالشديد فالطلاق قد وقع وهي غير زوجة لك وعليك أن تسرحها والطلاق الأخير لا يقع؛ لأنه صادف أنها ليست لك زوجة, أما طلاقك الثاني إذا صادف أنها زوجة وأن الطلاق الأول لم يقع لشدة الغضب، أو لكون المرأة طلقت في طهر جامعتها فيه أو للأمرين، وقع الطلاق في طهر جامعتها فيه مع شدة الغضب أيضاً فإن هذا لا يقع, والطلاق الثاني يقع، إذا كنت طلقتها طلقتين بألفاظ دل على ذلك بأن قلت طالق ، ثم طالق، أو طالق ، وطالق أو قلت طالق ، طالق ، وأردت الطلقتين فإنها تقع طلقتان ، أما إن كنت قلت طالق ، طالق ولم تنوي الطلقتين ، قلت طالق، طالق، بلفظك من غضب أو شبهه ولكن لم تنوي الطلقتين فإن الطلاق الثاني يكون مؤكداً للطلاق الأول ولا يقع به إلا واحدة إذا قلت طالق، طالق، بدون واو وبدون ثم, وبدون شيء آخر طالق، طالق؛ لأن هذا عند العلماء في حكم الطلقة الواحدة ويكون اللفظ الثاني مؤكداً للفظ الأول ولا يقع به طلقة ثانية، أما إذا كنت قلت: طالق، وطالق، أو طالق، ثم طالق ، أو أنت طالق أنت طالق، أو تراك طالق، تراك طالق، ولم تنوي تأكيداً في قولك تراك طالق، تراك طالق، ولم تنوي إفهاماً لها وهكذا لو قلت طالق، طالق، ونويت الثنتتين فإن هذا يقع, يقع به الطلقتان طالق ,طالق ، طالق، ثم طالق، أنت طالق، أنت طالق، تراك طالق، تراك طالق يقع به ثنتان, إلا إن كنت نويت بالثانية في قولك: طالق، طالق، نويت به تأكيداً, أو إفهاماً, أو ما نويت شيئاً بقولك: طالق، طالق، فإنه لا يقع إلا واحدة وهكذا إذا قلت أنت طالق، أنت طالق ، أو تراك طالق، تراك طالق، ونويت التأكيد في الثانية أو الإفهام لم يقع إلا واحدة وإلا فالأصل وقوع الثنتين.