يحرم تقبيل المرأة الأجنبية

السؤال: كما تعلمون فإن الناس في العيد يزور بعضهم بعضاً، وفي أثناء زيارتنا لابنة عمي وهي امرأة متزوجة قام أخي بتقبيلها على خدها!! ولما أخبرته أن ذلك لا يجوز، قال لي: "إن هذه القبلة من باب التحية ولا شهوة فيها فهي جائزة"، فما قولكم في ذلك؟

الإجابة

الإجابة: لا شك أن ما قام به أخوك من تقبيل ابنة عمه من المحرمات المتفق على تحريمها عند أهل العلم، فمن المعروف أن ابنة العم تعتبر أجنبية على ابن عمها، فلا يجوز له أن يصافحها ولا يجوز له أن يقبلها مطلقاً حتى لو كانت القبلة بدون شهوة.

والمقصود بالمرأة الأجنبية عند العلماء هي كل امرأة يجوز للرجل نكاحها، وهي غير القريبة المحرم وغير الزوجة.

وقد نص العلماء من أرباب المذاهب الأربعة وغيرهم على حرمة تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة أو بدون شهوة، فمن أقوالهم في ذلك:

- قال الإمام المرغيناني الحنفي صاحب كتاب (الهداية): "ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة" (الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/460).

- وقال صاحب الاختيار: "ولا ينظر إلى المرأة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد، ولا يجوز أن يمس ذلك وإن أمن الشهوة" (الاختيار لتعليل المختار 4/ 156).

- وقال الزيلعي: "ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم وانعدام الضرورة والبلوى" (تبين الحقائق 6/18).

- وقال ابن عابدين: "فلا يحل مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة" (حاشية ابن عابدين 6/367).

- وقال الإمام النووي: "وقد قال أصحابنا كل من حرم النظر إليه حرم مسه بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك" (الأذكار ص 228).

- وقال الحصني الشافعي: "وأعلم أنه حيث حرم النظر حرم المس بطريق الأولى لأنه أبلغ لذة" (كفاية الأخيار ص 353).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويحرم النظر بشهوة إلى النساء والمردان ومن استحله كفر إجماعاً، ويحرم النظر مع وجود ثوران الشهوة وهو منصوص الإمام أحمد والشافعي...، وكل قسم متى كان معه شهوة كان حراماً بلا ريب سواء كانت شهوة تمتع النظر أو كانت شهوة الوطء، واللمس كالنظر وأولى" (الاختيارات العلمية ص 118 ضمن الفتاوى الكبرى المجلد الخامس).

- وقال صاحب منار السبيل: "ولمس كنظر وأولى لأنه أبلغ منه فيحرم المس حيث يحرم النظر" (منار السبيل 2/ 142)، وغير ذلك من أقوالهم.

.. وقد احتج العلماء على تحريم تقبيل المرأة الأجنبية بأدلة كثيرة منها: إن الله سبحانه وتعالى قد حرم النظر إلى المرأة الأجنبية من غير سبب مشروع، فما بالك بتقبيلها، قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ الله خبيرٌ بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها} [سورة النور الآيتان 30- 31].

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأة أجنبية، فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فقال: "اصرف بصرك" (رواه مسلم).

وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهو حديث حسن).

والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة، فإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى القبلة، لأن القبلة أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر، حيث إن القبلة أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعياً للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك.

ومما يدل على تحريم تقبيل المرأة الأجنبية ما ورد في الحديث عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" (رواه الطبراني والبيهقي)، وقال المنذري: "رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح" (الترغيب والترهيب 3/39. وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث رقم 326).

وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم القبلة للأجنبية نوعاً من الزنا، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل ابن آدم حظه من الزنا... واليدان تزنيان فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني فزناه القبل"، والقبل جمع قبلة والحديث رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/404.

ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي اليسر قال: أتتني امرأة تبتاع تمراً، فقلت: إن في البيت تمراً أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها! فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: "استر على نفسك وتب ولا تخبر أحداً"، فلم أصبر، فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال: "استر على نفسك، وتب ولا تخبر أحداً"، فلم أصبر، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال له: "أخلفت غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟" حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً حتى أوحي إليه: {وأقم الصّلاة طرفي النّهار وزلفاً من اللّيل إنّ الحسنات يذهبن السّيّئات ذلك ذكرى للذّاكرين}، قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "بل للناس عامة" (رواه الترمذي، وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن الترمذي 3/63)، فهذا الحديث يدل على أن تقبيل الأجنبية محرم، وانظر إلى قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما للرجل: "استر على نفسك وتب"، وانظر إلى ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل وهذا فيه أبلغ دلالة على التحريم.

وأما ادعاء أخيك بأن تقبيل ابنة عمه يعتبر من باب التحية فهذا كلام باطل، لأن الدين شرع التحية وبينها كما في الأدلة الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس من التحية تقبيل المرأة الأجنبية!! ولا يقول بجواز تقبيل المرأة الأجنبية وأن ذلك من المباحات إلا فاسق أو جاهل بالأدلة الشرعية وجاهل بمقاصد الشريعة المحمدية.

وينبغي نبذ الفتاوى العرجاء التي تبيح تقبيل المرأة الأجنبية، ولا تصدر هذه الفتاوى إلا من جهلة لا يعرفون ألف باء الإفتاء الشرعي.

.. وخلاصة الأمر أن تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة أو بدون شهوة من المحرمات، وأن على أخيك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما اقترف ومما قال لأنه قال منكراً من القول وزوراً.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.