حكم السؤال في المسجد

السؤال: ما حكم السؤال في المسجد، وهل يُعطى السائل أم لا؟

الإجابة

الإجابة: إن السؤال في المسجد لأمور الدنيا حرام، كمن يسأل في المساجد لأمور الدنيا يريد شيئاً لنفسه أو لأقاربه أو لأمر دنيوي فهذا حرام، لأن المساجد لم تبنَ لأمر الدنيا، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الرجل يبيع أو يبتاع في المساجد فقولوا له: "لا أربح الله تجارتك"، وإذا رأيتم الرجل ينشد ضالته في المسجد فقولوا له: "لا ردها الله عليك"".

فالمساجد لم تبنَ لأمور الدنيا، ولذلك فإن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه نهى الناس عن الكلام في أمور الدنيا في المسجد، فلما أبطأوا عليه بنى البطيحاء حوله فقال: "من أراد أن يتكلم في أمور الدنيا فليذهب إلى البطيحاء" فكف الناس عن الكلام في المسجد.

ولهذا فأمور الدنيا كلها لا بد أن تنزه عنها المساجد، فنحن هنا في المسجد معنا الملائكة الكرام، وهم يحفون بنا الآن، وحضورهم ينبغي أن نأخذ فيه بالعبادة التي ننافسهم بها وأن نحترم شعور الملائكة على الأقل في أمور الدنيا فهم ليسوا من أهلها، فلذلك كان لزاماً علينا أن نحترم شعور الملائكة فيما يتعلق بأمور الدنيا وأن نكف عنها.

فلذلك يحرم السؤال في المساجد لأمور الدنيا، وعليه فيحرم أيضاً الإعطاء لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، لأن الإنسان إذا سأل في المسجد فأعطي فإن ذلك مما يشجعه على الاستمرار في المسألة، لكن إذا أراد الإنسان أن يعطيه فليأخذ بيده وليخرجه من المسجد وليعطه خارج المسجد، فهذا الذي ينبغي أن يفعله الإنسان، وقد أخرج أحمد في المسند أن عمر بن الخطاب رأى سائلاً في الحج يسأل فدعا يرفأ -وهو مولى عمر- فأمره أن يطعمه فأطعمه حتى شبع، ثم رآه عمر بعد ذلك يدور في الرحال يسأل فدعاه فأخذ منه ما معه، انتزع منه الصدقة التي جمعها.

فالحج هو مثل المسجد، المشاعر هي وقف لله تعالى ولا ينبغي استغلالها هذا الاستغلال إلا في حق من هو مضطر، والرجل رآه عمر يسأل فعرف أنه محتاج فأرسل يرفأ حتى أشبعه، ثم لما رآه يسأل بعد ذلك انتزع منه ما أعطي، فلذلك لا ينبغي أن يعطى السائل في المسجد.

أما السؤال لأمور الدين كمصلحة المسجد كبنائه وإصلاحه ونحو ذلك، أو كطلب الجهاد في سبيل الله أو إيواء الفقراء فهذا مما بنيت له المساجد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله في المسجد، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه الدافة وهم الأعراب وهم قوم مجتابو النمار -أي يلبسون النمار- قد خرجوا منها وتفلتت عنهم والنمار ثياب قديمة، فوقف على المنبر فقال: "تصدق امرؤ من درهمه، من ديناره، من صاع بره، من صاع تمره"، فجاء الناس بصدقاتهم فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها على أولئك الفقراء، وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بجمع صدقات الفطر في الليالي الثلاث الأخر من رمضان فيبسط لها البُسُطَ في مؤخرة المسجد ويكل بها من يرعاها، وكان يكل بها أبا هريرة رضي الله عنه فيحرسها، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح يوم العيد انصرف إليها وجلس فأمر بتقسيمها فتقسم فإذا انتهى قسمها ذهب إلى المصلى فصلى صلاة العيد بعد اغتساله صلى الله عليه وسلم.

فلذلك جمع الصدقات من أجل إيواء اليتامى أو الجرحى أو من أجل الجهاد في سبيل الله أو نحو ذلك هذا مما بنيت له المساجد.

وأنتم تعلمون أن هذا المسجد مؤسسة ضخمة من الناحية الشرعية، ليس مؤسسة للصلاة أو للدروس فقط، هذه المؤسسة هي منطلق الدين والدنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليست له عاصمة إلا المسجد.

ففيه مكان التعليم فالمدارس إنما كانت في المساجد في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين، ليس للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مدرسة إلا المسجد، ولذلك ما دامت الدروس تتلقى في المساجد فعليها قداسة وصدق، ولا يستطيع الإنسان أن يكذب فيها على الله في مثل هذا المكان ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخرجت المدارس عن المساجد فستقرر فيها المقررات التي لا نفع فيها ولا خير فيها.

ثانياً هي أيضاً كانت مكان القضاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس للخصم في المسجد فيقضي بين الناس فيحكم بينهم في المسجد، وهذا يقتضي عدم الميل، فما دام القاضي في رقابة الله تعالى في المسجد وهو يستشعر قداسة المكان لا يستطيع الجور في حكمه ولا الظلم، وكذلك الخصوم لا يمكن أن يجور بعضهم على بعض وهم في المسجد، ولهذا كان يحلف الناس عند منبره، وكان عمر بن الخطاب يحلف الناس عند المنبر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك المسجد هو أيضاً مكان المحاكمات وقداسته تمنع الظلم فيه.

وكذلك هو بيت المال فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع فيه زكاة الفطر وغيرها من الأموال كما بينا.

وهو مكان الجيش أيضاً فهو الثكنة العسكرية الأولى للمسلمين، ولذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم للأحباش بالتدريب فيه، وكان يعقد فيه الألوية ويجيش منه الجيوش.

وهو أيضاً المستشفى فقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده خيمة لسعد بن معاذ يعوده فيها.

وهو مكان الضيافة العامة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل فيه الضيوف.

وهو أيضاً السجن الذي يراد به الإصلاح فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسجن الناس في المسجد لإصلاحهم، فأبو لبابة بن عبد المنذر لما سرب إلى اليهود سرا من أسرار المسلمين ربط نفسه بسارية من سواري المسجد حتى حله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت توبته، وثمامة بن أثال الحنفي ربطه النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فكان يمر عليه إذا تقدم للصلاة فيقول: "يا محمد إن مننت علي مننت على شاكر، وإن قتلتني قتلت ذا دم"، فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى الحرة فاغتسل فجاء وأسلم وحسن إسلامه، وكذلك حبس فيه النبي صلى الله عليه وسلم سفانة بنت حاتم في سبي بني طيئ، فكان يمر عليها فتقول: "يا محمد امنن علي من الله عليك، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، فقد مات الوالد وغاب الوافد"، فيقول: "ومن والدك؟"، فتقول حاتم بن عبد الله الطائي، فيقول: "ومن وافدك؟" فتقول عدي بن حاتم، فيقول: "آلفار من الله ورسوله؟"، فيتجاوزها حتى مر عليها يوماً فأعادت عليه الكلام، فرقَّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنَّ عليها، فأرسلها فذهبت في إثر عدي حتى جاءت به فأسلم فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فابتسم في وجهه وثنى له الوساد، ثم لم يزل بعد ذلك كلما دخل عليه يبتسم في وجهه.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.