مواضع لا يشرع فيها رفع اليدين بالدعاء

سمعنا فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز يقول فيها: إن رفع اليدين عند الدعاء بدعة، ولم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وقد وجدنا في بعض الأحاديث أن النبي كان يرفع يديه في الدعاء حتى يُرى بياض إبطيه، فما هو الصواب؟ وهل هناك دليل على هذا؟

الإجابة

هذا الذي نقل الإخوان هذا الكلام لم يصب في إطلاقه وتعميمه، فالرسول صلى الله عليه وسلم رفع يديه في مواضع كثيرة؛ ورفع اليدين من أسباب الإجابة، فقد رفعهما في صلاة الاستسقاء حتى بدا بياض إبطيه عليه الصلاة والسلام، ودعا في الاستسقاء في خطبة الجمعة، وحين استسقى بالناس في الصحراء ورفع يديه ودعا عليه الصلاة والسلام، ورفع يديه في مواضع كثيرة، حين إذا عليه الصلاة والسلام، إذا دعا لقوم أو على قوم، وفي القنوت كذلك. إنما الذي نبَّهتُ عليه هو رفع اليدين بعد السلام من الفريضة، لم يكن النبي يفعله في هذا الموضع خاصة، إذا سلم من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر، ما كان يرفع يديه إذا سلم من الفريضة يدعو، بل كان إذا سلم يقول: "أستغفر الله" ثلاثاً، "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، وهو مستقبل القبلة، ثم ينصرف إلى الناس ويذكر الله، ويقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، ولم يكن يرفع يديه في هذا المقام، ولا يدعو في هذا المقام رافع اليدين، هذا الذي بينا للناس. فالذي ينبغي للمؤمن إذا سمع الكلام: أن يضبط كما ينبغي وأن ينقله كما سمع، وألا يزيد وألا يكذب على الناس، فالذي قال لهم هذا الكلام، أو زعموا أنهم سمعوا من هذا الكلام قد غلط، فرفع اليدين سنة في الدعاء، ومن أسباب الإجابة، إلا في المواضع التي ما رفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، مثل أدبار الصلوات المكتوبة، فلا يرفع يديه في حال التحيات، حين يدعو قبل السلام، ولا بعد السلام من الفريضة، ولا يرفع يديه بين السجدتين، لأن النبي ما كان يرفع يديه في هذا المقام، كذلك في خطبة الجمعة، ما كان يرفع يديه، إذا خطب الناس بالجمعة أو في العيد، ما كان يرفع يديه عليه الصلاة والسلام، إنما رفع في خطبة الاستسقاء عليه الصلاة والسلام، وهكذا في الدعوات الأخرى إذا كان يدعو للناس أو يدعو عليهم رفع يديه كما في القنوت لما دعا على قوم، أو لقوم، رفع يديه عليه الصلاة والسلام، وهكذا الدعوات التي يدعو الإنسان في بيته، أو في أي مكان يدعو الله، أو بعد النافلة أو في أي وقت، رفع اليدين من أسباب الإجابة، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إن ربكم حييٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)، فرفع اليدين من أسباب الإجابة، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ.. ، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا.. ، ثم ذكر الرجل، يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!)، خرجه مسلم في صحيحه، فبين عليه الصلاة والسلام أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، (يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب)، فرفع اليدين من أسباب الإجابة، والإلحاح بالدعاء من أسباب الإجابة، لكنه لما كان يتعاطى الحرام صار هذا من أسباب عدم إجابته، من أجل معصيته بتعاطي الحرام، فينبغي لمن يسمع هذا البرنامج، أو غيره مما نكتب في هذا المقام أو نتكلم به أن يتثبت في الأمر. ولا يجوز لأحد أن ينقل عني ما لم يعلم، ولا أبيح لأحد أن يقول عني ما لم يعلم حتى يسمع كلامي في ذلك، أو يرى كتابة مني ثابتة، وإلا فالنقل فيه الكذب وفيه الصدق، فينبغي التثبت فيما يسمعه المؤمن من الناس حتى يعرف أنه صدر من صاحبه عن يقين، نسأل الله للجميع التوفيق.