طلق امرآته قبل الدخول عليها وبعد تسليم المهر فهل له أن يسترده

يسأل سماحتكم جزاكم الله خيراً عن رجل عقد على امرأة ودفع كامل مهرها، وطلقها قبل الدخول، هل له أن يسترد كامل المهر، وإذا استرده هل يكون آثماً؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد بين الله -عز وجل- في كتابه العظيم أن الزوج إذا طلق زوجته قبل الدخول فله النصف وليس له الجميع، قال تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [(237) سورة البقرة]. فالزوج له النص والمرأة لها النص إذا طلقها قبل المسيس يعني قبل الدخول بها، قبل وطئها، وقبل الخلوة بها، الخلوة ملحقة بالوطء كما أفتى بذلك الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم-؛ لأنها مظنة المسيس، فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فله النص، وإن طلقها بعد الدخول بها أو الخلوة بها فليس له شيء، المهر لها كامل، وهكذا ما يتبع المهر من الهدايا التي من أجل النكاح، أو ما تعطاه المرأة ليلة الدخول بها تبع النكاح حسب العادة المتبعة فهو تبع المهر، أما إذا اختلفا وتنازعا وطلبت الطلاق واصطلحا على شيء فلا بأس وهذا يسمى خلع، إذا طلبت الطلاق أو اتفق معها على طلاق على نصف المهر أو على ثلث المهر أو على أقل أو أكثر أو أنها تعطيه المال كله ويطلقها هذا لا بأس به، وهذا يسمى خلع. المقصود أن الطلاق قبل الدخول والخلوة يكون المهر مناصف إذا كان مسمى، أما إذا كان ما سمى لها شيء، فإنما يكون لها متعة، يعطيها متعة ما يسره الله من كسوة أو نقود يعطيها يمتعها متاع فقط؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [(49) سورة الأحزاب]. وقال تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [(241) سورة البقرة]. فإذا طلقها ولم يسمِ لها مهراً قبل الدخول والخلوة فإنه يعطيها متعة فقط ليس لها مهر متعة للآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [(49) سورة الأحزاب]. هذه الآية في سورة الأحزاب تبين لنا أن المطلقة قبل الدخول وهكذا الخلوة إذا كانت ما سمي لها مهر لها المتعة. أما إذا سمي لها المهر فإنها تعطى النصف كما في آية البقرة، وإن متعها مع النصف هذا فضل لعموم قوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ فإذا أعطاها النصف ومتعها بكسوة أو بدراهم أخرى أو بشيء مما ينفعها فهذا من الإحسان ومن المعروف. ويروى أن الحسن بن علي -رضي الله عنه- وعن أبيه طلق زوجتين من زوجاته وبعث إليهما متاعاً قدره عشرة آلاف لكل واحدة، فإحداهما أخذته وقالت: جزاه الله خيراً وسكتت. والثانية قالت: متاع قليلٌ من حبيب مفارق، فلما بلغه كلامها عطف عليها، وراجعها -رحمه الله ورضي عنه-. فالمقصود أن المتاع فيه خير، وفيه جبر للمصيبة؛ لأن الطلاق مصيبة، فإذا جبرها مع النصف بمعروف، أو أعطاها المهر كله ولم يأخذ شيئاً جبراً لها، أو أخذ النصف، ولكن أعطاها المتاع كسوة أو دراهم أخرى أو بيت أو أرض أو خادماً إذا كان موجود رقيق وأعطاها خادماً مملوكا كل هذا من المتاع الحسن، ومن مكارم الأخلاق. جزاكم الله خيراً.