تركُ الذَّنب خوفاً من عقاب الله

السؤال: أعرفُ أنَّ التَّوبة النَّصوح تكون بأن يندم الإنسان على ما فعل، فما بال الذي يترك الذنب خوفاً من الله وعقابه وليس كرهاً للذَّنب، فهل هو منافقٌ؟

الإجابة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الخوف من الله عزَّ وجلَّ من أعظم منازل الدِّين، وأعلى شُعَب الإيمان، وهو رائدُ المسلمِ إلى إخلاص العمل لله، وإلى مراقبته في جميع الشؤون، وإلى ترك الذنوب.

والخوف من الله هو: استشعار عظمته تعالى، وأنه يعلمُ سرَّ العبد وجَهْرِه.

قال الأستاذ سيد قُطْب رحمه الله في "الظِّلال": "الخوف من الله هو الحاجز الصُلْب أمام دَفَعَات الهوى العنيفة، وقلَّ أن يثبَتَ غيرُ هذا الحاجز أمام دَفَعَات الهوى".

ولذلك؛ فإنَّ تركَ الذُّنوب خوفاً من الله تعالى أو من عقابِه أو مَكْرِه أو خوفاً من شُؤْمِ المعصية - من أعظم أعمال المكلَّفين، الدَّالة على يقظة قلبِ صاحبِه وإخلاصِه، وأنَّه تاركٌ للذَّنب للهِ تعالى.

فصاحبُ الخوْف: يلتجئ إلى الهرب والإمساك؛ فمن علم أنَّ الحَفَظَة الكاتبين يراقبون أعماله، وأنَّه حيثما حلَّ مُتَابَعٌ، وأنَّ طريق الهروب من الله مسدودٌ، ولا حيلة له إلا الاستسلام والانقياد والإقبال على طاعة الله، والاستفادة من المهلة الممنوحة له؛ إذ لا يدري متى يتخطَّفه الموتُ، ويصير إلى ما قدَّم - فلا يحتقر المعاصي؛ لأنهم لا يأمنون مَكْرَ الله تعالى؛ قال عزَّ مِنْ قائل: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].

قال ابنُ القيِّم: "وهي من أَجَلِّ منازل الطَّريق وأنفعها للقلب، وهي فرضٌ على كلِّ أحدٍ؛ قال اللهُ تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، وقال تعالى: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُون} [النور:51]، وقال: {فََلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن} [المائدة: 44] ومدحأهله في كتابه وأثنى عليهم؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ . َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61].

وقال إبراهيم بن سفيان: "إذا سَكَنَ الخوفُ القلوبَ أحرقَ مواضعَ الشَّهوات منها، وطردَ الدُّنيا عنها". وقال ذو النُّون: "النَّاسُ على الطَّريق؛ ما لم يَزُلْ عنهم الخوفُ، فإذا زال عنهم الخوفُ؛ ضلُّوا عن الطَّريق". وقال أبو عثمان: "صدقُ الخوفِ هو الوَرَعُ عن الآثام، ظاهراً وباطناً". وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله رُوحَه" يقول: "الخوفُ المحمودُ: ما حَجَزَكَ عن محارم الله". اه باختصار.

أما الخوف المحض من بطش الجبار سبحانه، لا إجلالاً لله تعالى، ولا حياءً منه سبحانه، فلا يصحبه ترك المعصية، كخوف إبليس الذي لم يخف إلا لما رأى ما أمد الله به أولياء من الملائكة، ثم لم يدفعه ذلك الخوف إلى الكف.

وهذا بخلاف خوف المؤمن الذي يحمله على ترك الذنب لقبحه، ولخوفه من عقاب الله ومكره، ورجاءً لما أعده لعباده المؤمنين،، والله أعلم.