ما حكم اتخاذ الطعام من أهل الميت

السؤال: في بلادنا مشاكل على مسألة اتخاذ الطعام من أهل الميت، أرجو من سماحتكم إفادتنا الإجابة إلى هذه المسألة وعلى مسألة -أحكام التكليف-، واجب، مندوب، جائز، مكروه، محظور. وبعض الأمثلة لذلك، قال العلماء العالمون: "ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت؛ لأنه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة"، وقال: "يكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثاني والثالث وبعد الأسبوع"، وقال: "واتفق الأئمة الأربعة على كراهة صنع أهل الميت طعاماً للناس يجتمعون عليه"، ونحو ذلك من أقوال العلماء. والعلماء في بلادنا "فطاني" بالكثرة قالوا بالعكس مما قال به العلماء العاملون السابقون، بعضهم قال بالسنة، وبعضهم قال بالمباح، وقليل منهم قال بالوجوب. ولأجل هذه المسألة كفّر بعضهم بعضاً، ولا يأكل بعضهم ذبيحة بعض، ولا ينكح بعضهم مولية بعض، ولذلك أرجو من سماحتكم الموافقة والاعتماد على ذلك بالفتوى جواباً إيجابياً؟

الإجابة

الإجابة: أولاً: دلّت السنة الصحيحة على أن غير أهل الميت من إخوانه المسلمين هم الذين يصنعون طعاماً ويبعثون به إلى أهل الميت؛ إعانة لهم، وجبراً لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن صنع الطعام وإصلاحه لأنفسهم، فقد روى أبو داود في سننه، عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر رضي الله عنه حين قتل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنهم قد أتاهم أمر شغلهم" (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وحسنه الترمذي)، أما صنع أهل الميت طعاماً للناس واتخاذهم ذلك عادة لهم فغير معروف فيما نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين، بل هو بدعة، فينبغي تركها؛ لِمَا فيها من شغل أهل الميت إلى شغلهم، ولِمَا فيها من التشبه بصنع أهل الجاهلية، والإعراض عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وقد روى الإمام أحمد، عن جرير بن عبد الله البجلي: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع أهل الميت طعاماً لمن جاءهم بعد الدفن من النياحة، وكذا لا يجوز ذبح حيوان عند القبر أو ذبحه عند الموت أو عند خروج الميت من البيت؛ لما رواه أحمد، وأبو داود، من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عقر في الإسلام".

ثانياً: إذا خالف مسلم حكماً ثابتاً بنص صريح من الكتاب أو السنة لا يقبل التأويل ولا مجال فيه للاجتهاد أو خالف إجماعاً قطعياً ثابتاً بين له الصواب في الحكم، فإن قبل فالحمد لله، وإن أبى بعد البيان وإقامة الحجة وأصر على تغيير حكم الله حكم بكفره وعومل معاملة المرتد عن دين الإسلام، مثال ذلك: من أنكر الصلوات الخمس أو إحداها أو فريضة الصيام أو الزكاة أو الحج وتأول ما دلّ عليها من نصوص الكتاب والسنة ولم يعبأ بإجماع الأمة.

أما إذا خالف حكماً ثابتاً بدليل مختلف في ثبوته أو قابل للتأويل بمعان مختلفة وأحكام متقابلة فخلافه خلاف في مسألة اجتهادية، فلا يكفر، بل يعذر في ذلك من أخطأ ويؤجر على اجتهاده ويحمد من أصاب الحق ويؤجر أجرين: أجراً على اجتهاده وأجراً على إصابته، مثال ذلك: من أنكر وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، ومن قال بوجوب قراءتها عليه، ومن خالف في حكم صنع أهل الميت الطعام وجمع الناس عليه فقال: إنه مستحب، أو قال: إنه مباح، أو: إنه مكروه غير حرام، فمثل هذا لا يجوز تكفيره، ولا إنكار الصلاة وراءه، ولا تمتنع مناكحته، ولا يحرم الأكل من ذبيحته، بل تجب مناصحته ومذاكرته في ذلك على ضوء الأدلة الشرعية؛ لأنه أخ مسلم له حقوق المسلمين. والخلاف في هذه المسألة خلاف في مسألة فرعية اجتهادية، جرى مثلها في عهد الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف ولم يكفر بعضهم بعضاً ولم يهجر بعضهم بعضاً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية - المجلد الخامس عشر (العقيدة).