تفسير قوله تعالى {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا}

السؤال: تفسير قوله تعالى {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا}

الإجابة

الإجابة: وَقَال شيخ الإسلام قدسَ الله روحُه‏:‏

قوله‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏28‏]‏، والفاحشة أريد بها كشف السوءات، فيستدل به على أن في الأفعال السيئة من الصفات ما يمنع أمر الشرع بها، فإنه أخبر عن نفسه في سياق الإنكار عليهم أنه لا يأمر بالفحشاء؛ فدل ذلك على أنه منزه عنه، فلو كان جائزًا عليه لم يتنزه عنه‏.‏

فَعُلِم أنه لا يجوز عليه الأمر بالفحشاء وذلك لا يكون إلا إذا كان الفعل في نفسه سيئًا، فَعُلِمَ أن كل ما في نفسه فاحشة فإن الله لا يجوز عليه الأمر به، وهذا قول من يثبت للأفعال في نفسها صفات الحسن والسوء، كما يقوله أكثر العلماء كالتميميين وأبي الخطاب، خلاف قول من يقول‏:‏ إن ذلك لا يثبت قط إلا بخطاب‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً‏} ‏[‏الإسراء‏:‏32‏]‏، علل النهى عنه بما أشتمل عليه من أنه فاحشة، وأنه ساء سبيلاً، فلو كان إنما صار فاحشة وساء سبيلا بالنهى، لما صح ذلك؛ لأن العلة تسبق المعلول لا تتبعه، ومثل ذلك كثير في القرآن‏.‏

وأما في الأمر، فقوله‏:‏ ‏{‏‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 216‏]‏، دليل على أنه أمر به؛ لأنه خير لنا؛ ولأن الله علم فيه ما لم نعلمه‏.
‏‏
ومثله قوله في آية الطُّهُور‏:‏ ‏{‏‏وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏} ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏، دليل على أنه أمر بالطُّهُور؛ لما فيه من الصلاح لنا وهذا أيضًا في القرآن كثير‏.
‏‏




مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر.