أول عمل يعمله الحاج في مزدلفة

وقفنا يوم التاسع وجمعنا مع النهار طرفاً من الليل، حيث أفضنا من عرفات بعد عشرين دقيقة من أذان المغرب، ولسهولة المواصلات وصلنا المزدلفة قبل أن يدخل وقت أذان العشاء، بمعنى أننا وصلنا إلى المزدلفة بعد خمس وأربعين دقيقة من وقت أذان المغرب، وحصل اختلاف بيننا، فالبعض قال: إن أول شيء يفعله الحاج في المزدلفة هو الصلاة، وفعلاً أقيمت الصلاة، وصلى هذا البعض المغرب والعشاء قصراً وجمعاً، والبعض الآخر امتنع حتى دخول وقت العشاء، وحجة الفريق الأول: هي أن أول شيء فعله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، وحجة الفريق الآخر هي أن الصلاة لا تكون إلا جمع تأخير، فأي الفريقين كان أصوب ووافق السنة؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.. فقد ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في الأحاديث الصحيحة أنه لما وصل إلى مزدلفة بدأ بالصلاة، فأمر بلالاً فأذن، ثم أقام وصلى المغرب، ثم أقام وصلى العشاء، جمعاً وقصراً، ولم يصل بينهما شيئاً، فصلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، والآن نقول للناس: من وصل منكم قبل دخول وقت العشاء فلا يجمع بل يؤخر العشاء إلى وقتها، ومعلوم أن الناس منهم من يتقدم ومنهم من يتأخر حتى في وقت الأبل، فلما سكت النبي عن هذا -عليه الصلاة والسلام- وبادر بالصلاة جمعاً وقصراً دل ذلك على أن السنة لمن وصل مزدلفة أن يصلي جمعاً ولو جاء في وقت المغرب. فالذين صلوا في وقت المغرب حين وصلوا هم الذين أصابوا السنة، وأولئك لهم أجر باجتهادهم ولكنهم خالفوا السنة. فالسنة لمن وصل لمزدلفة ليلة مزدلفة أن يبادر بصلاة المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين تأسياً برسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان الحكم يتعلق بدخول وقت العشاء وأن الجمع لا بد أن يكون جمع تأخير لبينه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلقال للناس من وصل قبل دخول وقت العشاء فلا يجمع، فترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز، بل يجب أن يبين الحكم في وقت الحاجة، ولا يجوز تأخيرها عن وقت الحاجة عند أهل العلم، فلما لم يقل للناس من وصل قبل دخول وقت العشاء فليؤخر العشاء دل ذلك على أن الحكم هو أنه متى وصل صلى، سواء كان في وقت المغرب أو في وقت العشاء، والناس يتفاوتون في هذا، ولكن العلماء أو كثيراً منهم سموا صلاة المغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة؛ لأن الغالب أن الحجاج إنما يصلونها في وقت العشاء؛ لأنهم كانوا في ذلك الوقت على الإبل، أما اليوم فكان الناس على السيارات، فهم يصلونها في وقت المغرب أو يصلها كثير منهم في وقت المغرب، فلهذا شرع الأمر أن يصلوا متى وصلوا مطلقاً، هذا هو السنة.