حكم بناء القبور للحاجة

نحن في معظم قرى ومدن مصر نعاني من مشكلة ضيق المساحة في القبور، حيث أنها محددة في أماكن معلومة، ولا يجوز ترك مكانها وخاصة في بلاد الدلتا -أي: البلاد البعيدة عن الصحراء- مما اضطر الناس لبنائها وارتفاعها عن الأرض أكثر من المتر في بعض الأحيان؛ وذلك لدفن عدد من الموتى في كل قبر، فما حكم ذلك، وماذا نفعل إن أردنا أن نفعل الصواب في عدم بنائها، فلا نجد الظروف التي تعيننا على ذلك؟

الإجابة

أيها الأخ الكريم نسأل الله لك المثوبة على دعواتك، ونسأل الله أن يتقبل منك دعواتك، وأن يثيبنا وإياك، وأن يجعلنا وإياك من عباد الله الصالحين، إنه خير مسئول، أما القبور فالواجب أن لا تبنى، هذا الواجب، وأن تحفر في الأرض وتعمق، هذا هو الواجب؛ لأنه ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في صحيح مسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها، ولعن اليهود والنصارى على اتخاذهم المساجد على القبور، وأخبر أنهم شرار الخلق بهذا العمل، وهو البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، فالواجب على أهل الإسلام في مصر وفي غير مصر، الواجب عليهم أن يحفروا القبور في الأرض وأن يعمقوها إلى نصف القائمة تقريباً حتى لا تظهر رائحتها، وحتى لا تحفرها الكلاب، ونحوها، فإذا كانت البلد ليس فيها محل الحفر؛ لأنها صلبة حجرية فلا حرج أن يدفن على ظهرها، ويحوط عليها لأجل حفظها عن الكلاب وغيرها وصيانتها؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16) سورة التغابن، لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286) سورة البقرة، فالبناء حينئذٍ لا لتعظيمها والغلو فيها، ولكن لحفظها عن ظهور الروائح الكريهة، وعن امتهانها وعن تناول السباع لها، فلا حرج بقدر الحاجة، بقدر الحاجة، فقط والضرورة، أما مع القدرة على الحفر فلا يجوز البناء، لا متر ولا غيره، يجب أن تكون في الأرض، وأن تبين للناس، ترفع قدر شبر تقريباً، ترابها يكون على كل قبر ترابه، وعليه النصائب في أطرافه حتى يعرف أنه قبر، وإذا رش وجعل في بطحاء فذلك أفضل، هذا هو المشروع في القبور، لكن من لم يستطع ذلك؛ لأن الأرض لا يمكن حفرها، فإنه معذور بقدر الحاجة فقط. إذا كانت الأرض بعكس ذلك سماحة الشيخ، وكانت التربة تنهال ولا تتماسك فما هو الحل الذي يراه سماحتكم؟ إذا كانت الأرض ضعيفة لا يستطيع الحفر فيها؛ لضعفها وانهيارها يجعل ما يحفظ للميت من ألواح، أو حجارة، أو نحو ذلك مما يحفظ الميت حتى لا ينهار به القبر، يفعل ما يستطيع المؤمن من ألواح، أو أخشاب، أو حديد، المقصود الذي يستطيع حفظ الميت حتى لا ينهار القبر. والأمر متيسر في هذه الأزمنة والحمد لله. حسب الطاقة، فاتقوا الله ما استطعتم. أرجو أن يتفهم إخواننا هذه الإجابة جيداً، وأن يعيدوا الاستماع إليها أكثر من مرة فهي في غاية الوضوح. جزى الله الجميع كل خير. لا شك أن هذا مهم، نسأل الله للجميع التوفيق، ثم نعيد أيضاً مرةً أخرى التحذير من البناء على القبور، الذي فعله اليهود والنصارى، لا يجوز أن يبنى عليها، مساجد ولا قباب ولا غير ذلك؛ لأن هذا البناء من أسباب الشرك بالله والغلو كما فعله اليهود والنصارى، وفعله أشباههم من عباد القبور الذين ظنوا أن هذا مشروع فاتخذوا المساجد على القبور، وغلوا فيها، واستغاثوا بأهلها ونذروا لهم، وطافوا بقبورهم، هذا هو البلاء العظيم، هذا الشرك الأكبر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال -عليه الصلاة والسلام- لما أخبرته أم حبيبة، وأم سلمة في كنيسة في بلاد الحبشة وما فيها من الصور قال -عليه الصلاة والسلام-: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله). حكم عليهم بأنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر، وفي الصحيح عند مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك). وهذا نهي عظيم من وجوهٍ ثلاثة: أولاً: ذم من فعل ذلك من اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا تحذير من التشبه بهم، والثاني: قوله فلا تتخذوا القبور مساجد، هذا نهي صريح، لا تتخذوا القبور مساجد، الثالث قوله: فإني أنهاكم عن ذلك. فهذا أيضاً تأكيد للنهي فإني أنهاكم عن ذلك، فالواجب الحذر، السر في هذا والله أعلم كما هو معروف عند أهل العلم أنه دليل على الشرك، أن هذا البناء وهذا التصوير عليها من أسباب الشرك بها، واتخاذ عليها آلهة مع الله، كما قد وقع لليهود والنصارى وغيرهم، فيجب الحذر من ذلك، وأن لا يبنى على القبور، لا مسجد، ولا قبة ولا غيرها، ولا يدعى من دون الله، ولا يستغاث، ولا يطاف إلى غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يدعى ويرجى، ويصلى له ويسجد له، وينذر له، ويذبح له، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي -يعني قل يا محمد للناس- وَنُسُكِي -يعني ذبحي وعباداتي- وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (162-163) سورة الأنعام. هكذا أمره الله، أن يبلغ الناس -عليه الصلاة والسلام-. وقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ*فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (1-2) سورة الكوثر. وقال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) سورة الحج. الطواف بالبيت العتيق، لا يطاف بالقبور عبادة كلها من دون الله، وشرك بالله عز وجل، فإذا طاف يتقرب من الميت بالطواف، أو يصلي له، أو يسجد له، أو يقول: يا سيدي أغثني، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك كان هذا شرك بالله، كان هذا عبادة لغيره سبحانه وتعالى, فالواجب الحذر غاية الحذر، نسأل الله للجميع الهداية.