المذاهب الأربعة

سائل يسأل ويقول: الطرائق الأربعة الأحمدية والشافعية والمالكية والحنفية، هل هذه الطرائق صحيحة؟ وفي أي زمن وجدت؟

الإجابة

الأصوب أن يقول: المذاهب الأربعة. والأحمدية: هم أتباع أحمد بن حنبل رحمه الله، والشافعية: هم أتباع محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، والمالكية: هم أتباع الإمام مالك بن أنس رحمه الله، والحنفية: هم أتباع أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وهذه المذاهب الأربعة معروفة عند أهل العلم وقد انتشرت في القرون المتأخرة، في القرن الثالث وما بعده، أما مذهب أبي حنيفة فعرف وانتشر في القرن الثاني، وهكذا مذهب الإمام مالك في القرن الثاني.

وأما مذهب الشافعي وأحمد فاشتهر بعد ذلك في القرن الثالث وما بعده، وهم على خير وعلى هدى وعلى حق رضي الله عنهم ورحمهم الله، وهم علماء هدى وعلماء خير، ولكن لا يجوز أن يقال إن واحداً منهم معصوم لا يقع منه خطأ، بل كل واحد له أغلاط حسب ما خفي عليه من السنة، وحسب ما عرفوا من كتاب الله عز وجل، فقد يفوت بعضهم شيء من العلم وشيء من السنة، فهذا أمرٌ معلوم يشملهم وغيرهم؛ كالأوزاعي، وإسحاق بن راهوية، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح، وغيرهم من الأئمة المعروفين.

فكل واحد منهم قد يفوته بعض العلم؛ لأنه ليس كل واحد يحيط بالسنة، ويحيط بالعلم، فقد يفوته بعض الأشياء، لكنهم أئمة الهدى، ولهم أتباع نظموا مذاهبهم، وجمعوا مسائلهم وفتاواهم، وكتبوا في ذلك حتى انتشرت هذه المذاهب وعلمت بسبب أتباعهم الذين ألفوا فيها، وجمعوا فيها مسائل هؤلاء الأربعة وما أفتوا به في ذلك، فقد يقع بعض الأخطاء من بعضهم؛ لأنه لم تبلغه السنة في بعض المسائل فأفتى باجتهاده، فقد يقع الخطأ من أجل ذلك، والآخر بلغه الحديث وعرف الحديث فأفتى بالصواب، فهذه تقع لكل واحدٍ منهم في مسائل معدودة رحمهم الله؛ ولهذا قال مالك رحمه الله: (ما منا إلا رادٌ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما اختيار مذهب معين فهذا في حق طلبة العلم، فطلبة العلم عليهم ألا يقلدوا أحداً، ولكن إذا انتسب إلى أحد المذاهب من باب الانتساب؛ لأنه رأى قواعده وأصوله توافقه فلا بأس، لكن ليس له أن يقلد الشافعي ولا أحمد ولا مالكاً ولا أبا حنيفة، ولا غيرهم، بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا، وعليه أن ينظر في الأدلة، فما رجح في الأدلة ومسائل الخلاف أخذ به، وأما ما أجمع عليه العلماء فليس لأحد أن يخالفه؛ لأن العلماء لا يجمعون على باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة...)) الحديث. فإذا أجمعوا فهذه الطائفة منهم.

لكن يجب على العالم في مسائل الخلاف أن ينظر في الأدلة، فإذا كان الدليل مع أبي حنيفة أخذ به، وإذا كان مع مالك أخذ به، وإذا كان مع الشافعي أخذ به، وإذا كان مع أحمد أخذ به، وهكذا لو كان مع الأوزاعي أو مع إسحاق بن راهوية أو غيرهما. فالواجب الأخذ بالدليل وترك ما خالفه؛ لأن الله سبحانه يقول: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[1]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[2].

فالواجب على أهل العلم أن يعرضوا ما تنازع فيه الناس على الأدلة الشرعية فما رجح بالدليل وجب الأخذ به.

أما العامي فيسأل أهل العلم في زمانه، يتخير العالم الطيب الذي يظهر عليه التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، والورع، ويظهر منه العلم، ويشهد له الناس بالخير، فيتحرى ويسأل، ومذهبه مذهب من أفتاه، لكن عليه أن يتحرى أهل العلم، ويسأل في بلاده أو في غير بلاده عن المعروفين بالعلم والفضل، واتباع الحق، والمحافظة على الصلوات، والذين يعرفون باتباع السنة، من توفير اللحى، وعدم الإسبال، والبعد عن مواقف التهم، إلى غير هذا من الدلائل على استقامة العالم، فإذا أرشد إلى عالم ظاهره الخير ومعروف بالعلم، سأله عما أشكل عليه والحمد لله. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[3]، وقال سبحانه: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[4].

[1] النساء: 59.

[2] الشورى: 10.

[3] التغابن: 16.

[4] الأنبياء: 7.