الكلام على ظلمة الجسر وظلمة الحشر في حديث ثوبان

السؤال: حديث ثوبان في صحيح مسلم: "إن تبدل الأرض غير الأرض الناس في ظلمة الحشر أو في ظلمة الجسر"، ما هي ظلمة الجسر؟ وما هي ظلمة الحشر؟

الإجابة

الإجابة: إن الناس عندما يحشرون يوم القيامة ينادي المنادي في الناس: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}، وينادي الله آدم بصوت: "أخرج بعث النار، فيقول: يا رب من كم، فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذلك: {يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}"، وحينئذ يفصل بين الناس، وهذا هو يوم الفصل.

فإذا فصل بينهم يوضع بينهم سور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، فيبيض الله وجوه أهل الإيمان فيسير نورهم أمامهم مسيرة خمسمائة عام، ويسود وجوه أهل الكفر والظلم فيسير ظلامهم أمامهم مسيرة خمسمائة عام، فينادون أهل الإيمان وقد عرفوهم بأسمائهم فيقولون: {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا}، وحينئذ ينادونهم من بعيد: {ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير}، فهؤلاء من أهل الإيمان في الأصل وكانوا معهم ويعرفونهم، فلذلك قال: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا}، فعطف، والعطف يقتضي المغايرة، نسأل الله أن لا يجعلنا منهم.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حال أولئك، فقد صح عنه أنه قال: "ألا لا يطردن دوني أقوام فيضربون كما تضرب غرائب الإبل، فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم"، وكذلك أخرج عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه سيستعمل عليكم أمراء يكذبون في الحديث، ويظلمون الناس، ويؤخرون الصلاة عن أوقاتها، فمن صدقهم في كذبهم أو أعانهم على ظلمهم فلن يرد علي الحوض".

فهؤلاء كذلك يطردون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم كما تطرد غرائب الإبل، وقد عجل لهم ثمن الحوض فهو ما أخذوه من ذوي السلطان في الدنيا، نسأل الله السلامة والعافية، فلذلك ظلمة الحشر هي ظلمة أولئك الذين يجعل الله في وجوههم الظلام، وقد قال الله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}، قال ابن عباس: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة، ومصداق ذلك من القرآن قول الله تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة}، وأهل البدعة كذبوا على الله حين أدخلوا في دينه ما ليس منه، والجسر هو الصراط، وذلك أن الذين اسودت وجوههم، نسأل الله السلامة والعافية، يركبون الصراط ولا يرونه، فهو أرق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلاليب كشوك السعدان، وعليه مراقب، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على مرقب منها، يقول: "اللهم سلم سلم"، فأولئك نعوذ بالله يتخبطون في ظلامهم على الجسر الذي هو الصراط.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.