على من يجب الصوم؟

السؤال: على من يجب الصوم؟

الإجابة

الإجابة: الصيام يجب أداءً على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم، خال من الموانع، فهذه ستة أوصاف.

- فأما الكافر فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات، ومعنى قولنا: لا يجب عليه الصوم أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه، لأن الكافر لا تقبل منه عبادة حال كفره، لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَٰتُهُمْ إِلاّۤ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَٰرِهُونَ}، ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم، لقوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَْوَّلِينِ}، لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات حال كفره، لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: {مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَٰنَا الْيَقِينُ}، فذكر ترك الصلاة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار، يدل على أن لذلك تأثيراً في دخولهم النار، بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّٰلِحَٰتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَءَامَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فنفي الجُناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجُناح على غير المؤمنين فيما طعموا، ولقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِىۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَٰتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، فقوله: {لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين، ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما سبق إسلامه، فإذا أسلم ليلة الخامس عشر مثلاً فالأيام الأربعة عشر لا يلزمه قضاؤها، وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلاً قلنا له: أمسك بقية يومك، ولا يلزمك القضاء. فنأمره بالإمساك؛ لأنه صار من أهل الوجوب، ولا نأمره بالقضاء لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك، ولم يكن قبله من أهل الوجوب، ومن قام بما يجب عليه لم يكلف إعادة العبادة مرة ثانية.

- أما العقل وهو الوصف الثاني لوجوب الصوم ما يحصل به التمييز بين الأشياء، فإذا لم يكن الإنسان عاقلاً فإنه لا صوم عليه، كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة. ومن هذا النوع أي ممن ليس له عقل، أن يبلغ الإنسان سنًّا يسقط معه التمييز، وهو ما يعرف عند العامة "بالهذرات" فلا يلزم المهذري صوم، ولا يلزم عنه إطعام؛ لإنه ليس من أهل الوجوب.

- أما الوصف الثالث: فهو البلوغ، ويحصل البلوغ بواحد من أمورٍ ثلاثة:

إما بأن يتم الإنسان خمس عشرة سنة، أو أن يُنبت العانة وهو الشعر الخشن الذي يكون عند القُبل، أو ينزل المني بلذة، سواءً كان ذلك باحتلام أو بيقظة، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت، وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن أنزل منياً بلذة من ذكر أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ، ومن حاضت ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغت، وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين، وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس، فإن بعض النساء تحيض مبكرة ولا تدري أنه يلزمها الصوم وغيره من العبادات، التي يتوقف وجوبها على البلوغ؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن البلوغ إنما يكون بتمام خمس عشرة سنة، وهذا ظن لا أصل له.

فإذا لم يكن الإنسان بالغاً فإن الصوم لا يجب عليه، ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمورٌ بأن يأمر موليه الصغير من ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده، حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه، فإنهم كانوا يصوِّمون أولادهم الصغار، حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس.

- وأما الوصف الرابع: فهو أن يكون الإنسان قادراً على الصوم، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه، ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمرًّا دائماً: كالكبير، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً، وللإطعام كيفيتان:

. الكيفية الأولى: أن يخرج حبًّا من رز أو بر، وقدره ربع صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أي خُمُس صاع بالصاع المعروف هنا، ويساوي أعني صاع النبي صلى الله عليه وسلم كيلوين وأربعين غراماً بالبر الجيد الرزين، يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين غراماً فإن هذا صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، والصاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد فيكفي لأربعة مساكين، ويحسن في هذا الحال أن تجعل معه إذا دفعته للفقير أن تجعل معه شيئاً يؤدمه من لحم أو غيره، حسب ما تقتضيه الحال والعرف.

. والوجه الثاني من الإطعام: أن يصنع طعاماً يكفي لثلاثين فقيراً، أو تسعة وعشرين فقيراً حسب الشهر ويدعوهم إليه، كما ذكر ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر، ولا يجوز أن يطعم شخصاً واحداً مقدار ما يكفي الثلاثين، أو التسعة والعشرين؛ لأنه لابد أن يكون عن كل يوم مسكين.

القسم الثاني من العجز عن الصوم: فهو العجز الذي يرجى زواله، وهو العجز الطارىء: كمرض حدث على الإنسان في أيام الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم فنقول له: أفطر واقض يوماً مكانه، لقول الله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

- أما الوصف الخامس: فهو أن يكون مقيماً وضده المسافر، وهو الذي فارق وطنه فلا يلزمه الصوم، وعليه القضاء، لقول الله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه فالأفضل الفطر. لقول أبي الدرداء رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة، أما إذا شق عليه الصوم فإنه يفطر ولابد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شُكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام فأفطر، ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العُصاة، أولئك العصاة"، ومتى برئ المريض، أو قدم المسافر إلى بلده وجب عليه القضاء، وله تأخيره إلى أن يبقى بينه وبين رمضان الثاني بقدر الأيام التي عليه.

- أما الوصف السادس: فأن يكون خالياً من الموانع، أي من موانع الوجوب، وهذا يختص بالمرأة، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداءً ألا تكون حائضاً ولا نفساء، فإن كانت حائضاً أو نفساء فإنه لا يلزمها الصوم، وإنما تقضي بدل الأيام التي أفطرت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك: "أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم" أي إذا حاضت المرأة فلا صوم عليها، ولكن تقضيه في أيام أخر: كالمريض.

. وهنا مسألتان ينبغي التفطن لهما:

* المسألة الأولى: أن بعض النساء تطهر في آخر الليل، وتعلم أنها طهرت، ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظنًّا منها أنها إذا لم تغتسل فإنها لا يصح صومها، وليس الأمر كذلك، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.

* أما المسألة الثانية: فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب، فبعض النساء تقول: إنها إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذلك النهار يفسد، وكذلك بعض النساء يبالغ أيضاً ويقول: إذا جاءها الحيض قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد، وكل هذا ليس بصحيح، فالمرأة إذا غابت الشمس وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح، حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة فصومها صحيح، هذه ستة أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداءً ولا يحل له أن يفطر، فإن تخلف واحد منها فالحكم كما علمت في الجواب من التفصيل.



مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد التاسع عشر - كتاب الصيام.