ذم الجدال وكثرة الكلام

السؤال: لي أخت كثيرة الكلام ومن المجادلين في الدين بغير علم، ولا تترك الكلام أبداً، ولا تقتنع وترفع صوتها على أمها إن خاصمتها، وعندما تقول لها: لا ترفعي صوتك، تقول: هذه طبيعتي!! فبماذا تنصحونها؟

الإجابة

الإجابة: إن إكثار الكلام لا خير فيه، فكثرة الكلام تؤدي إلى كثرة الخطأ، ومن كثر لغطه كثر سقطه، وقد أخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية".

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المراء في الدين، والجدال في أمور الدين لا بد أن يكون بعلم، فإذا جادل الإنسان بغير علم فهو عاص قطعاً، لأن الله تعالى يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فهذا من أكبر الكبائر أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن يقولوا: [الله أعلم] فيما اشتبه عليهم، والإنسان خُلق جهولاً، ويقول الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} وليس جهله بحكم مسألة عيباً فيه، بل العيب أن يجادل فيها بالباطل، فعلى الإنسان أن يحرص على التعلم وأن لا يتكلم فيما لا يحسن، فقد كان أهل العلم يحرصون كثيراً على رد العلم إلى الله تعالى في المسائل، حتى إن الإمام مالكاً وهو من هو في العلم، سُئل عن اثنتين وأربعين مسألة، فقال في ثمانية وثلاثين منها لا أدري، وكان يقول: "ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: (لا أدري) ليكون أصلاً في أيديهم يرجعون إليه"، وقد قال ابن دريد رحمه الله: ومن كان يهوى أن يُرى متصدراً *** ويكره لا أدري أصيبت مقاتله وقد أخرج أبو عمر بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "نصف العلم لا أدري"، فلذلك ينبغي لهذه الأخت أن تتذكر قول الله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، وقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وعليها أن تخاف أن تتكلم على الله بما لا تحسن، فإن ذلك من الكذب على الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}.

وعليها أن لا ترفع صوتها على أمها، فإن الله تعالى يقول في محكم التنزيل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} وإذا كان ذلك طبيعة لها فيلزمها تغيير هذه الطبيعة، فهذه الطبيعة غير محمودة فلا يُستدل بها، لأن ذلك من الاستدلال بالقدر في المعائب وهو خطأ، فالقدر يستدل به في المصائب لا في المعائب إذا أصيب الإنسان بمصيبة تسلى عنها بالقدر، لكن إذا وقع في ذنب فلا يحل له الاستدلال بالقدر فيه لأن ذلك من طريقة إبليس.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.