الشـِّغار وحكمه في الإسـلام

السؤال: سائل يسأل عن حكم الشغار، وأنه منتشر في عدد كثير من القبائل، لاسيما قبائل البادية، حيث إن الأب أو الأخ يمنع زواج موليته حتى يأتيه من يبادله بها. ويشير إلى أن هذه العادة أضرت بكثير من البنات اللاتي عنسن، وصارت أخطار الانتكاس في أحضان الرذيلة تهددهن من كل جانب، ويطلب بياناً شافياً عن الشغار وحكمه في الإسلام، وما حكم الإسلام فيمن آثر مصلحته على مصلحة موليته؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:

فالشِّغار: هو أن يقول الرجل للآخر: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، وليس بينهما صداق.

وسمي هذا النوع من التعاقد شغارا؛ لقبحه، شبه في القبح بالكلب يرفع رجله. ليبول. يقال: شغر الكلب: إذا رفع رجله ليبول، فكأن كل واحد رفع رجله للآخر عما يريده.
وقيل: إنه من الخلو. يقال: شغر المكان: إذا خلا، والجهة شاغرة: أي خالية.

والشِّغاَر: فِعَال؛ فهو من الطرفين إخلاء بضع بإخلاء بضع. ولا خلاف في تحريم الشغار، وأنه مخالف لشرع الله، كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة في تحريمه، ومخالفته للمقتضيات الشرعية.

ففي (الصحيحين)، و(السنن الثلاثة)، و(المسند) عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار. (1) والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق.

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا شِغار في الإسلام"، (2) وفي (صحيح) مسلم، و(المسند) عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار. زاد ابن نميرة: والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي. (3)

وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار. (4)

وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبدَ الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبدُ الرحمن ابنَته، وقد كانا جعلا صداقاً، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما. وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه أحمد وأبو داود). (5)

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تفسير الشغار، كما اختلفوا في صحته.

▪ قال في (نيل الأوطار) (6): وللشغار صورتان:
إحداهما: المذكورة في الأحاديث، وهو خلو بضع كل منهما من الصداق.
والثانية: أن يشترط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته.
فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط، فمنعها دون الثانية... إلى أن قال: قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته: فالجمهور على البطلان، وفي رواية لمالك: يفسخ قبل الدخول لا بعده، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي، وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر، وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث، ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور.أ.ه.

▪ وقال ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) (7): اختلف الفقهاء في ذلك:
فقال أحمد: الشغارُ الباطلُ أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخرُ وليتَه، ولا مهر بينهما على حديث ابن عمر، فإن سموا مع ذلك مهراً، صح العقد بالمسمى عنده.
وقال الخرقي: لا يصح -ولو سموا مهراً- على حديث معاوية.
وقال أبو البركات بن تيمية وغيره من أصحاب أحمد: إن سموا مهراً وقالوا مع ذلك: بضع كل واحدة مهرُ الأخرى، لم يصح، وإن لم يقولوا ذلك، صح.أ.ه.
وقال في (المحرر) (8): ومن زوج وليته من رجل على أن يزوجه الآخر وليته فأجابه ولا مهر بينهما، لم يصح العقد، ويسمى نكاح الشغار، وإن سموا مهراً صح العقد بالمسمى، نصَّ عليه.
وقال الخرقي: ولا يصح أصلاً. وقيل: إن قال فيه: وبضع كل واحدة مهر الأخرى لم يصح، وإلا صح. وهو الأصح.أ.ه.

▪ ونظراً لقوة الخلاف في المسألة، فالذي يترجح عندنا: أن ما كان منه شغاراً صريحاً لا خلاف فيه؛ وهو: ألا يكون لإحداهما مهر، بل بضعٌ في نظير بضع، أو هناك مهر قليل حيلةً -أن حكم هذا البطلان، فيفسخ العقد فيه، سواء أكان قبل الدخول أم بعده.

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الشغار؛ لما فيه من التلاعب بمسئولية الولاية، وما تقتضيه من وجوب النصح، وبذل الجهد في اختيار من يكون عوناً لها على ما يسعدها في حياتها الدنيا، وفي الآخرة؛ وذلك أن الولي نظرُه لوليته نظرُ مصلحة ورعاية واهتمام، لا نظر شهوة وتسلط وإهمال، فليست بمنزلة أمته، أو بهيمته، أو ما يملكه مما يعاوض بها على ما يريد، وإنما هي أمانة في عنقه، يتعين عليه أن يحقق لها من زواجها كفاءة الزوج، وصداق المثل؛ فكل راع مسئول عن رعيته.

ومتى كان من الولي تساهل في توخي مصلحة موليته؛ بإيثاره مصلحته عليها، كأن يعاوضه عليها بمال أو زوجة، أو يعضلها عن الزواج؛ انتظاراً لمن يعطيه ما يريد- سقطت ولايته عليها، وقامت ولايتها لمن يُعنى بها وبمصالحها، ممن هو أولى بولايتها. وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

___________________________________________

1 - مسند أحمد (2/7)، والبخاري (5112)، ومسلم (1415)، وأبو داود (2074)، والترمذي (1124)، والنسائي (6/112).
2 - مسلم (1415).
3 - مسلم (1416)، و(مسند) أحمد (2/ 439).
4 - مسلم (1417)، وأحمد (3/321).
5 - أحمد (4/ 94)، وأبو داود (2075).
6 - (6/ 554).
7 - أحمد (5/ 108).
8 - (2/23).