هل الافتخار بالجنسية حرام أم لا؟

السؤال: هل الافتخار بالجنسية حرام أم لا؟ يعني مثلاً أقول: "أفتخر بأنني فلسطيني"، هل هذه الجملة حرام أم لا؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التفاخر بالنسب والجنس محرم، وهو من بقايا خصال الجاهلية التي أبطلها الإسلام، وجعل التفاضل بين الخليقة بالتقوى والعمل الصالح، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية والفخر بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب لينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم في الجاهلية أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها"، ورواه الإمام أحمد وأبو داود، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق في حجة الوداع فقال: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" (رواه أحمد وصححه الألباني)، وقال عمر بن الخطاب: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله".

وعن سهل بن سعد الساعدى أنه قال مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا؟"، فقال رجل من أشراف الناس، هذا والله حرى إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيك في هذا؟"، فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حرى إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا" (متفق عليه).

هذا؛ وقد أبطل النبي الفخر بالأنساب في واحدة من كبريات المسائل وهي الكفاءة النسبية في الزواج بين القبائل وبين العرب وغيرهم، زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ابنة عمته الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وقال لفاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها: "انكحي أسامة" (رواه مسلم) وهو مولى، وتزوج المقداد بن عمرو ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي، وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه وكان حجاما" (رواه أبو داود وحسنه الحافظ ابن حجر)، قال الإمام الصنعاني: فنبه على الوجه المقتضي لمساواتهم وهو الاتفاق في وصف الإسلام وللناس في هذه المسألة عجائب لا تدور على دليل غير الكبرياء والترفع ولا إله إلا الله كم حرمت المؤمنات النكاح لكبرياء الأولياء واستعظامهم أنفسهم، اللهم إنا نبرأ إليك من شرط ولده الهوى ورباه الكبرياء".

قال شيخ الإسلام: "وجمهور العلماء على أن جنس العرب خير من غيرهم كما أن جنس قريش خير من غيرهم، وجنس بنى هاشم خير من غيرهم، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، لكن تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد، فإن في غير العرب خلق كثير خير من أكثر العرب، وفى غير قريش من المهاجرين والأنصار من هو خير من أكثر قريش، وفى غير بنى هاشم من قريش وغير قريش من هو خير من أكثر بنى هاشم كما قال رسول الله: "إن خير القرون القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وفى القرون المتأخرة من هو خير من كثير من القرن الثاني والثالث، ومع هذا فلم يخص النبي القرن الثاني والثالث بحكم شرعي، كذلك لم يخص العرب بحكم شرعي، بل ولا خص بعض أصحابه بحكم دون سائر أمته، ولكن الصحابة لما كان لهم من الفضل أخبر بفضلهم وكذلك السابقون الأولون لم يخصهم بحكم ولكن أخبر بما لهم من الفضل لما اختصوا به من العمل وذلك لا يتعلق بالنسب".

وقال في "منهاج السنة النبوية": "... وإنما نشأ كلامه - يقصد من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف تولية غير أبي بكر- عن حب لقومه وقبيلته وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته، ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية ولا الطرق الدينية ولا هو مما أمر الله ورسوله المؤمنين باتباعه، بل هو شعبة جاهلية ونوع عصبية للأنساب والقبائل وهذا مما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهجره وإبطاله وفي الصحيح عنه أنه قال: "أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت والاستقاء بالنجوم" وفي المسند عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فَأَعِضُّوهُ بهن أمه وَلا تُكَنُّوا... "وأما كون الخلافة في قريش فلما كان هذا من شرعه ودينه كانت النصوص بذلك معروفة منقولة مأثورة يذكرها الصحابة".



من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.