تفسير أأمنتم من في السماء وغيرها من الآيات

يسأل عن تفسير بعض الآيات القرآنية، منها: قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)) [الملك:16]، ومنها قول الحق تبارك وتعالى حكاية عن قول فرعون: ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا

الإجابة

هذه الآيات الكريمات فسرها أهل العلم من أهل السنة والجماعة كالبغوي في التفسير وابن كثير وابن جرير وغيرهم، ومعناها عند أهل السنة واضح، فقوله جل وعلا: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء) يفسر بمعنيين، أحدهما: في السماء يعني المبينة، السماوات المعروفة، فيكون معنى في يعني على مَن على السماوات، كما قال جل وعلا: (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ) يعني على الأرض، وقال جل وعلا عن فرعون أنه قال لخصومه: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يعني على جذوع النخل، والمعنى الثاني: أن المراد بالسماء العلو، جهة العلو، فتكون (في) للظرفية، والمعنى: أأمنتم من في العلو، وهو الله سبحانه فإنه في العلو فوق العرش جل وعلا، قد استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته سبحانه وتعالى، وهو فوق جميع الخلق في أعلى شيء فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وهكذا قصَدَ فرعون اللعين حينما قال: (فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ) يعني الطرق (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) يعني طرق السماوات (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) عرف الخبيث أنه في العلو؛ لأن موسى بلَّغه أنه في العلو، فلهذا زعم هذا الزعم، وهو لا يستطيع ذلك ولا هامان، فإن العلو إلى السماوات لا يستطيعه المخلوق إلا بأمر من الله عز وجل، كما عرج الله بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى العلو مع جبرائيل عليه الصلاة والسلام، فالسماوات لها أبواب ولها حرس لا يستطيع أحد الدخول إليها إلا بإذن من الله عز وجل، وهذه من مكابرة فرعون من مكابرته، ودعواه الباطلة، فهو يعلم أن الله في العلو كما أخبره موسى، ولهذا قال هذه المقالة، وهي من أدلة أهل السنة على أن الله في العلو، وأن موسى بلغ فرعون أن الله في العلو؛ فلهذا قال هذه المقالة، وهكذا قوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يعني ثم علا على العرش، وهذا قاله سبحانه في سبعة مواضع في كتابه جل وعلا، بيَّن في ذلك استواءه على العرش سبحانه، وأنه فوق العرش كما قال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) سورة طه، فالمعنى الاستواء العلو والارتفاع، ومنه استوى على السفينة يعني ارتفع عليها، ومنه استواء السفينة على الجودي يعني ارتفعت على الجودي، فالاستواء معناه العلو والارتفاع، استوى فلان على الدابة يعني صار على ظهرها، واستوى على السطح صار فوق السطح، واستوى على الجمل صار فوق الجمل، فمعنى استوى على العرش يعني ارتفع فوق العرش جل وعلا، واستواؤه يناسبه سبحانه، ويليق به عز وجل، ولا يشابه الخلق في استوائهم على دوابهم وعلى الجبال وعلى غيرها، وهكذا كل صفات الله تليق به سبحانه وتعالى، ولا يشبه فيها خلقه جل وعلا، كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) سورة الشورى، وقال عز وجل: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) سورة الإخلاص، وقال سبحانه: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ (74) سورة النحل، وقال عز وجل: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) سورة مريم، يعني لا سَمِيَّ له، ولا كُفء له سبحانه وتعالى، وهكذا أيضاً هذه الآيات كلها تدل على علو الله وأنه فوق العرش مثل: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) سورة البقرة، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) سورة غافر، هو العلي العلو الكامل، علو الذات وعلو القهر والسلطان، وعلو المكان، فهو فوق العرش جل وعلا، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، والعرش سقف المخلوقات وأعلاها، والله فوقه سبحانه وتعالى، ومع هذا لا يخفى عليه شيء من أحوال عباده يعلم كل شيء سبحانه وتعالى.