والده يأمره بتطليق زوجته.

السؤال: ما هو الحكم الشرعي في طلاق الرجل زوجته وذلك عندما يطلب منه والداه ذلك بحجة أن هذه الزوجة كانت تعمل عندهم كخادمة سابقاً, وهل هذا يعتبر من عقوق الوالدين ؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله
لا شك أن الوالدين هما أحق الناس بالبر والطاعة والإحسان والمعاملة الحسنة، وقد قرن الله سبحانه الأمر بالإحسان إليهما بعبادته حيث قال: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} الإسراء/23. وطاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد، أما ما لا منفعة لهما فيه، أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه " اه.
والطلاق من غير سببٍ يبيحه يكرهه الله تعالى، لما فيه من هدر لنعمة الزوجية، وتعريض الأسرة للضياع والأولاد للتشتت، وقد يكون فيه ظلم للمرأة أيضا، وكون الزوجة كانت خادمة في الماضي ليس سببا شرعيا يبيح الطلاق، لاسيما إذا كانت مستقيمة في دينها وخلقها. وعلى هذا، لا تجب طاعة الوالدين في طلاق هذه الزوجة ولا يعتبر هذا من العقوق لهما، لكن ينبغي أن يكون رفض الابن للطلاق بتلطف ولين في القول لقول الله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } الإسراء/23.
سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم طلاق الرجل لزوجته إذا طلب منه أبوه ذلك فقال:
"إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يبين الوالد سببا شرعيا يقتضي طلاقها وفراقها مثل أن يقول: " طلِّق زوجتك " ؛ لأنها مريبة في أخلاقها كأن تغازل الرجال أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة وما أشبه ذلك. ففي هذا الحال يجيب والده ويطلقها ؛ لأنه لم يقل " طلِّقها " لهوى في نفسه ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنسا هذا الدنس فيطلقها.
الثاني: أن يقول الوالد للولد "طلِّق زوجتك " لأن الابن يحبها فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جدا حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها، نسأل الله العافية. ففي هذه الحالة لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه. ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذه المسألة بعينها، فجاءه رجل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك ؟ قال: وهل أبوك مثل عمر ؟ ولو احتج الأب على ابنه فقال: يا بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل هذا، أي وهل أنت مثل عمر؟ ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول: عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهذا هو جواب هذه المسالة التي يقع السؤال عنها كثيرا " اه. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/671.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن مطالبة الوالدة من ابنها طلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها بل لحاجة شخصية فأجابت بما نصها: " إذا كان الواقع كما ذكر السائل من أن أحوال زوجته مستقيمة وأنه يحبها، وغالية عنده، وأنها لم تسئ إلى أمه وإنما كرهتها لحاجة شخصية، وأمسك زوجته وأبقى على الحياة الزوجية معها، فلا يلزمه طلاقها طاعة لأمه، لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " إنما الطاعة في المعروف " وعليه أن يبر أمه ويصلها بزيارتها والتلطف معها والإنفاق عليها ومواساتها بما تحتاجه وينشرح به صدرها ويرضيها بما يقوى عليه سوى طلاق زوجته ". فتاوى اللجنة الدائمة 20/29 .