حكم دعم قوافل السفن المتجهة إلى غـزة ودفع الزكاة لها

السؤال: فضيلة الشيخ ما حكم دعم قوافل السفن المتجهة إلى غـزة، ودفع الزكاة إليها، وهل يجـوز دفـع زكاة التجارة من السلع نفسها إذا لم يكن عند التاجر سيولة، أو يجب قيمتـها، وهل أعطي المال الذي جمعته للحج لهذه الإغاثة أم أحج به ، وما درجة فضل هذا العمل الصالح، وما حكم إشراك غير المسلمين في هذا المشروع الإسلامي لفك الحصار عن غزة وأحسن الله إليكم ودمتم بخيـر حال؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وبعد:

فإنَّ دعم السفن المتجهة إلى غزّة لإغاثتها، وفكّ الحصار عنها، بكلّ الوسائل المعنوية: السياسية وغيرها والوسائل الماديّة: الماليّة، وغيرها من أعظم فرائض الإسلام لاسيما في هذا الوقت، إذ تحوَّل فك الحصار _ بعد مجزرة الصهاينة في قافلة الحرية وثوران الغضب في العالم الإسلامي _ إلى تحدِّ يريد به الصهاينة الإستعلاء بالإمعان في إذلال المسلمين، وكسر إرادتهم، وإظهار عجزهم، وإحباط معنوياتهم، ولذلك ليحقق الصهاينة طغيانهم، وإستكبارهم وإستمرارهم في إنتهاك حقوق أمّة الإسلام في فلسطين.

وبهذا يصبح تسيير هذه القوافل من أعمال الجهاد، وتتناوله نصوصه الحاضّة على الإنفاق فيه، مثل قول تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لايستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين * الَّذين آمنوا وهاجروا وَجاهدوا فِي سبِيل اللَّه بِأَمْوالهم وأَنْفسهم أَعْظم دَرَجَة عِنْد اللَّه وَأُولَئِك هم الْفَائِزون }.

ومن يُقتل في هذا الطريق هو من الشهداء إن شاء الله تعالى، ومن يخرج من بيته في هذا الوجه ثم يموت، فقد وقع أجره على الله تعالى.

وصرف زكاة المال في هذا الباب يقع في مصرفه الشرعي، إذ يصرف إلى فقراء غزة، وإلى غيرهم من أصناف المستحقين المنصوص عليهم في آية مصارف الزكاة، ومنهم قوله تعالى: {وفي سبيل الله}، كما أنَّ فكّ الحصار عن غزّة هو من سبيل الله، إذ هو ثغرُ رباطٍ في قبالة العدوّ، بل أشدّ الناس عداوة للمسلمين،وأيضا .. ففي فكّ الحصار عنهم إعانة أهل الرباط والجهاد فيه، على مقصودهم في جهاد عدوّ الله، والإسلام وفي ذلك أيضاً رفع لمعنويات كلِّ المسلمين، وتشجيعهم على الإستمرار في دعم الجهاد الإسلامي بأموالهم، وأنفسهم في كلّ مكان.

وإخراج زكاة عروض التجارة من نفس السلع، جائز في أصح قولي العلماء، وتسييرها في قوافل السفن يجزئ كما تُجزئ القيمة.

وصرف المال المرصود لحجّ التطوّع أو العمرة، لفك الحصار أولى من الحج به، لما في ذلك من المصالح العظيمة المتعديّة والراجحة، إضافة إلى الضرورة الملحّة ولما في فك الحصار من تفريج عظيم على كلِّ المسلمين، ونكاية عظيمة في عدوّهم، فإنّ منعت السفن وأخذها العدوّ فلاينقص ذلك من أجر المنفق شيئا، كما دلّ على ذلك النصوص الكثيرة التي تربط الثواب بالنيّة.

وهو من أفضل الأعمال الصالحة، وأزكى ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى، فقد قال تعالى:{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وما يقوم به أهل غزة من الصمود في وجه العدوّ، والإصرار على التمسك بحقوق المسلمين في فلسطين من أوجب البرّ والتقوى في الإسلام وأفضله وأعلاه وأزكاه عند الله تعالى.

وقد مدح الله تعالى الذين ينصرون الدين، ويؤثرون إخوانهم المسلمين على أنفسهم في نصرهم قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا ًمِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ولاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

كما ذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن قضاء الحوائج من أفضل القربات، حتى إنها أفضل من الإعتكاف في المساجد شهراً، هذا في أيّ حاجة يسيرة فكيف إذا كانت الحاجة ضرورة عامة، وهي الخلاص من حصار العدوّ وما يترتَّب على هذا الحصار المجرم من الضعف، و الجوع، وإنتشار الأمراض، وإستمرارها بسبب نقص الدواء، وغيره من المعدات الطبية وسائر ما يعانيه أهل الحصار من البؤس الشديد ؟!

وفي (الحديث الصحيح) عن بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم، أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَقْضِى عنه دَيْناً، أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه، ومن كَظَمَ غَيْظَه، ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ، ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ " (أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاث ، وابن أبى الدنيا في كتاب قضاء الحوائج).

وفي (الصحيحين) عن ابن عمر رضي الله عنه أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .

ولهذا نهيب بأهل الفضل والخير والإحسان من أثرياء المسلمين، أن يُسارعوا إلى دعم تسيير القوافل الإغاثيّة إلى غزة، لعلّ الله تعالى أن يجعل على أيديهم هذا الفتح العظيم بكسر الحصار عن أهل غزة المرابطة.

وعنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرّ مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ" (أخرجه ابن ماجه).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ " (أخرجه الطبراني ، وابن عساكر).

وقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَالْخَلَّةِ، وَالْمَسْكَنَةِ إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ، وَحَاجَتِهِ، وَمَسْكَنَتِهِ " فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ (أخرجه أحمد، وعَبد بن حُميد، والترمذي).

هذا .. ولا تمنع الشريعة دعوة غير المسلمين إلى التطوّع بالمال والنفس لفك الحصار عن غزّة، بل ذلك مما تحضّ عليه الشريعة في نصوصها العامة الداعية إلى الخير، والعدل، والإحسان، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وفي سيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلم ما يؤكّد ذلك كما سعى في فك الحصار عنه في شعب بني هاشم من سعى من كفّار قريش، ولهذا ينبغي تشجيع كلّ من يريد الوقوف مع المسلمين في فك الحصار عن غزّة، مادام ذلك يحقق مصالح راجحة.

هذا .. ونسأل الله تعالى أن يُفرغ على أهل غزة صبراً، وأن يعينهم على عدوّهم، وعدوّ الإسلام، وأن ينصر أمّة الإسلام في هذا التحدّي الذي نتج عن الهجوم على قوافل الإغاثة إلى غزة، وأن يجعل عاقبته خيراً، ورشداً على أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم، وأن يزيد الصهاينة بعده ضعفاً، وذلاً، وتفكّكاً حتى ينهزموا بإذن الله تعالى.

والله أعلم، وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكّل المؤمنون.