حكم الاسْتِنْسَاخُ

السؤال: أريدُ أنْ أَسألَ عن حُكْم (الاسْتِنْسَاخ)، وخاصةً اسْتِنْسَاخُ البَشَر؛ لماذا يَقولُ الفقهاءُ: إنه حرامٌ، برَغم أنَّه يَنفَعُ النَّاسَ كثِيرًا، ويَحُلُّ بعض المُشكِلات؟! مثلًا: لو أَردْنا زيادةَ الثَّروة الحيوانيَّة لاستنسخنا خلايا النبات، لماذا يَحرُم استنساخُ الإنسان وهو مِثْلُ استنساخ النبات؛ مجرد زَرْعٍ لأنسجة حيوان في جسم حيوان آخرَ؟! وقد يَكُون هذا حلًّا لمُشكِلة الإنسان الذى لا يُنْجِبُ. فما يَسْتَجِدُّ من مَسائلَ وأشياءَ؛ فالأصل فيه الحِلُّ وليس الحُرْمَة. وإن كانتْ هناك أضرارٌ؛ فهى أقلُّ بكثيرٍ منَ الفوائد العظيمة التى تُجْنَى من هذا الأمرِ. هناك شيوخٌ يُعَادُونَ كلَّ جديدٍ؛ مثلَ (الإنْتَرْنِتْ)، و(الشَّات)، والاستنساخِ، وغيرِ ذلكَ؛ لمجرِّد أنَّها أشياء مستحدثة!!!

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإنَّ الإسلامَ يَحُثُّ على العِلْمِ والبحثِ العلميِّ، ويجعلُهُ من فروض الكفاية، ويُشَجِّعُ على التَّفوُّق في كلِّ مجالٍ من مجالات العِلْمِ التي تَحتاج إليها الأُمَّة، ولكنْ مع التَّقَيُّدِ بقِيَمِ الدِّينِ والأخلاق، والمحافظةِ على الثَّوابتِ؛ فلا يَقبلُ الإسلامَ فكرةَ الفَصْلِ بينَ الدِّين والعِلْمِ والاقتصادِ والسِّياسةِ، ويرى أنَّ كلَّ شيءٍ في الحياة يجبُ أنْ يَخْضَعَ لتوجيه الدِّينِ، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154].

كما أن الإسلام لا يضعُ قيودًا على حريَّة البحثِ العلميِّ، ولكنْ يضعُ ضوابطَ أمامَ دخولِ تطبيقاتِ نتائجِ البحثِ العلميِّ إلى السَّاحةِ العامَّةِ بغير أن تَمُرَّ على مِصْفَاةِ الشَّريعة؛ لِتُمَرِّرَ المُبَاحَ وتمنعَ الحرامَ، فلا يسمحْ بتطبيقِ شيءٍ لمجرَّد أنَّه قابلٌ للتَّطبيق؛ بل لابدَّ أنْ يكون عِلْمًا نافعًا، جَالِبًا لمصالحِ العِباد، ودَارِئًا لمفاسدهم، محافظًا على كرامةِ الإنسان ومكانتِه والغايةِ من خَلْقِه.

أما الاسْتِنْسَاخُ:
فمنَ المعلوم أنَّ سنَّة الله في الخَلْق أنْ يَنْشَأَ المخلوقُ البشريُّ من اجتماع نُطْفَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، تَشْتَمِلُ نُواةُ كلٍّ منهما على عددٍ من الصِّبْغِيَّات (الكُرُومُوسُومَات)، يَبلغُ نصفَ عددِ الصِّبْغِيَّاتِ التي في الخلايا الجسديَّة للإنسان.

فإذا اتَّحَدَتْ نطفةُ الأب - (الزَّوْج) - التي تُسمَّى (الحيوانَ المَنَوِيَّ) بنُطْفَةِ الأمِّ - (الزَّوْجة) - التي تُسَمَّى (البُوَيْضَةَ)؛ تحوَّلَتَا معًا إلى (نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) أو (لَقِيحَةٍ)، تشتملُ على حقيبةٍ وراثيَّةٍ كاملةٍ، وتمتلكُ طاقةَ التَّكاثُر؛ فإذا انغرسَتْ في رَحِمِ الأمِّ تنامتْ وتكاملتْ، ووُلِدَتْ مَخلوقًا مُكتمِلًا بإذن الله!!

وهي في مسيرتها تلك تتضاعفُ؛ فتصيرُ خَلِيَّتَيْنِ مُتَمَاثِلَتَيْنِ، فأربعًا، فثمانيًا! ثمَّ تواصلُ تضاعُفَها حتى تبلغ مرحلةً تبدأُ عندها بالتَّمايُز والتَّخَصُّص.

فإذا انْشَطَرَتْ إحدى خلايا اللَّقِيحَةِ في مرحلةِ ما قبلَ التَّمايُزِ إلى شَطْرَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ؛ تَوَلَّدَ منهما تَوْءَمانِ مُتَمَاثِلان.

وقد أَمْكَنَ في الحيوان إجراءُ فَصْلٍ اصْطِناعيٍّ لأمثال هذه اللَّقائح؛ فتولَّدتْ منها توائمُ متماثِلةٌ. ولم يُبَْلَّغْ بعدُ عن حدوث مثلِ ذلك في الإنسان، وقد عُدَّ ذلك نوعًا من الاسْتِنْسَاخِ أوِ (التَّنْسِيل)؛ لأنَّه يُوَلِّدُ نُسَخًا أو (نَسَائِلَ) متماثلةً، وأُطْلِقَ عليه اسمُ (الاسْتِنْسَاخ بالتَّشْطِير)!!

وثمَّةَ طريقةٌ أخرى لاسْتِنْسَاخِ مَخلوقٍ كاملٍ، تَقومُ على أَخْذِ الحقيبة الوِراثيَّة الكاملة على شكل نَواةٍ من خليَّةٍ مِنَ الخلايا الجسديَّة، وإيداعِها في خليَّةٍ بُيَيْضِيَّةٍ منزوعةِ النَّوَاة، فتَتَأَلَّف بذلك لَقِيحَة تَشتملُ على حقِيبةٍ وِرَاثيَّةٍ كاملةٍ، وهي في الوقت نفسِه تمتلكُ طاقةَ التَّكاثُر، فإذا غُرِسَتْ في رَحِمِ الأمِّ تَنامَتْ وتكاملتْ ووُلِدَتْ مَخلوقًا مُكتمِلًا بإذن الله.

وهذا النَّمطُ من الاسْتِنْسَاخ الذي يُعْرَفُ باسم (النَّقْل النَّوَوي) أوِ (الإحلال النَّوَوَي للخليَّة البُيَيْضِيَّة)، وهو الذي يُفْهَمُ من كلمة الاسْتِنْسَاخ إذا أُطْلِقَتْ، وهو الذي حَدَثَ في النَّعْجَة (دولْلِي).

على أنَّ هذا المخلوقَ الجديد ليس نسخةً طبقَ الأصل؛ لأنَّ بُيَيْضَةَ الأمِّ المنزوعةِ النَّوَاة تظلُّ مشتمِلةً على بقايا نَوَوِيَّة في الجزء الذي يُحيطُ بالنَّواة المَنزوعة. ولهذه البقايا أثرٌ ملحوظٌ في تحوير الصِّفات التي وُرِّثَتْ منَ الخليَّة الجسديَّة، ولم يُبْلَّغْ أيضًا عن حصول ذلك في الإنسان.

فالاسْتِنْسَاخ إذن هو: تَوْلِيدُ كائنٍ حيٍّ أو أكثرَ، إمَّا بنقل النَّوَاة من خليَّةٍ جسديَّةٍ إلى بُيَيْضَةٍ مَنْزُوعةِ النَّوَاة، وإما بتَشْطِير بُيَيْضَةٍ مُخَصَّبَةٍ، في مرحلةٍ تَسبِقُ تَمايُزَ الأنسجة والأعضاء.

ولا يخفى أنَّ هذه العمليَّاتِ وأمثالَها لا تُمثِّل خَلْقًا أو بَعْضَ خَلْقٍ؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:16].

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} [الواقعة:58-62].

وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:77-82].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12-14]

انْظُرْ: قراراتِ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ، و مجلَّةَ المَجْمَعْ.

أما سببُ حُرْمَةِ اسْتِنْسَاخ البَشَر منَ النَّاحية الشَّرعيَّة والأخلاقيَّة:
* أنَّه عَبَثٌ بكرامة الإنسان، وفسادٌ في الأرض؛ فهو طريقةٌ شاذَّةٌ في تكاثُر البَشَر، وخروجٌ سافِرٌ على ناموس الله في الكَوْن، وتغييرٌ ظاهرٌ لِخَلْقِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:119].

* وفيه تَعَرُّضُ الأَجِنَّة المُسْتَنْسَخَة للبَيْع والتَّشْويه؛ فإنَّ الاسْتِنْسَاخَ يُفْضِي إلى وجود أَجِنَّةٍ فائضةٍ، ليس أمامها إلا الموتَ أو الاستزراعَ في أرحام نساءٍ أُخْرَيَاتٍ، فإن تُرِكَتْ للموت؛ كان مؤدَّى هذه الطريقةِ هو التسبُّبُ في إنشاء حياةٍ ثم تَرْكِها تموتُ، وإن أُودِعَتْ في أرحام أُخْرَيَاتٍ غير الأمِّ؛ كان مؤدَّى ذلك أن تَحْمِلَ هذه الأرحامُ أَجِنَّةً غريبةً عنها، وكلُّ ذلك غيرُ جائزٍ شرعًا وخُلُقًا وعقلًا، حتى إنَّ الغربَ يَحْظُرُ اسْتِنْسَاخ البَشَر!!

* الاسْتِنْسَاخُ بهذه الطريقة يؤدِّي إلى الاستغناء عنِ الزَّواج، ويُشَجِّعُ عمليَّاتِ الإجهاض، ويَهدمُ المجتمعاتِ، ويُجَرِّدُ الإنسانَ من إنسانيَّته، إلى غير ذلك مِنَ الأضرار والمفاسد، التي تُعارِضُ قواعدَ الشَّريعة ومقاصدَها؛ فالعَبَثُ بخَلْقِ الإنسان جريمةٌ كبرى، لنْ تَبُوءَ إلا بالفشل والخُسْران؛ ومن ثم مُنِعَ حتى في الغرب.

يقول الدكتور عبدالخالق محمد: "إنَّ اسْتِنْسَاخَ خلايا آدميَّةٍ بالغةٍ باستخدام التِّقْنِيَة آنفةِ الذِّكْر لا يزالُ مستحيلًا، والمحاولاتُ التي أُجْرِيَتْ كلُّها باءتْ بالفشل، وهي في مَهْدِها، والمحاولاتُ القليلةُ التي نجحتْ كانتْ نتيجتُها مخلوقاتٍ بالغةَ التَّشْوِيه.

وهناك طريقٌ آخرُ للاسْتِنْسَاخ، وهي طريقُ التَّوائم؛ وذلك أنَّ الإنسانَ في البداية خليَّةٌ واحدةٌ، تَنقسِمُ إلى خليَّتَيْن، ثم إلى أربعٍ. وقد تمكَّنَ العلماءُ من فَصْل الخليَّة التي نتجتْ عنِ انقسامِ الخليَّةِ الأمِّ إلى اثنتين، وعَزْلِهِما، إلى آخِر هذه العمليَّة التي باءتْ بالفشل أيضًا.

وهذا العَبَثُ في الأَجِنَّة بالطَّريقتَيْن ليسَ خَلْقًا ولا اسْتِحْدَاثًا للإنسان أو الحيوان، ولن يكونَ شأنُ الإنسان شأنَ النَّبات، يتكاثرُ بجزءٍ من أعضائه أو نسيجه أو براعمه؛ لأنَّ شأنَ الحيوان شأنٌ آخَرُ".

أما اسْتِنْسَاخ الحيوان:
فحقيقةُ الأمر أنَّ علماءَ الأحياء عبثوا ببُوَيْضَةٍ مُلَقَّحَةٍ، وانتَزعوا منها النَّوَاةَ، وحَقنُوها بخليَّةٍ حيَّةٍ من شاةٍ أخرى، فظنُّوا أنَّ الخليَّة الحيَّة انقسمتْ، ونَشَأَ الجنينُ منها، وتَخَلَّقَتِ الشَّاةُ من هذه الخليَّة!

والذي حَدَثَ هو الحصولُ على بُوَيْضَةٍ من شاةٍ، واسْتُخْرِجَتْ منها النَّوَاةُ، ثم الحصولُ على خليَّةٍ أخرى طبيعية من شاةٍ، واسْتُخْرِجَتْ منها النَّوَاةُ، ووُضِعَتْ نَوَاةُ الخليَّة الطبيعية في البُوَيْضَة، ووُضِعَتِ البُوَيْضَةُ في رَحِم الأمِّ؛ فتَكاثرتْ إلى أنْ أنجبتِ الأمُّ شاةً. وتَمَّتْ هذه العمليَّةُ بعد إجراء أكثرَ من ثلاثمائةِ عمليَّةِ دَمْجٍ (للحِمْض النَّوَوِيِّ) المأخوذِ من خلايا ضَرْعٍ مع بُوَيْضَاتٍ مُخَصَّبَةٍ من نِعاجٍ، وكلُّها قد فَشِلَتْ، وربَّما أَنتجتْ مُسوخًا لم يُعْلَنْ عنها.

وهذا السَّعيُ الحثيثُ لخلق الإنسان والحيوان من غير الطريق الذي وَضَعَه اللهُ تعالى سعيٌ قديمٌ عَبَثِيٌّ إفساديٌّ، وهو نِتاجٌ للمُعْتَقَدِ اليهوديِّ في التَّوْراة المحرَّفة مَأخُوذًا عن كفَّار الرومان الأقدمِين، الذي يقولُ: إن صراعًا بين الإنسان والإلَهِ منذ القِدَم، وإنَّ الإلهَ قَهَرَ الإنسانَ لأنَّه حازَ العِلْمَ، وأنَّ الإنسانَ استطاعَ أن يسرِقَ شعلةَ المعرفة من الإلَه، وبذلك أصبح كإلالَه، عارفًا الخيرَ والشرَّ!!

ولذلك؛ فلا عَجَبَ أن ترى الاسْتِنْسَاخَ يناقضُ السُّنَنَ الربَّانيَّة من التَّنَوُّع؛ لأنه يقومُ على تَخْلِيق نسخةٍ مكرَّرة من الشَّخص الواحد، وهذا يترتَّبُ عليه مفاسدُ كثيرةٌ في الحياة البشريَّة والاجتماعيَّة.

فتَصَوَّرْ فصلًا من التَّلاميذ المُسْتَنْسَخِينَ، كيف يُميِّزُ المُدرِّسُ بين بعضهم وبعضٍ؟!

وكيف يعرفُ المحقِّقُ مَنِ ارتكبَ جُرْمًا من غيره، والوجوهُ واحدةٌ، والقاماتُ واحدةٌ، والبَصَماتُ واحدةٌ؟!

بل كيف يعرفُ الرَّجلُ زوجتَهُ من غيرها، والأخرى نسخةٌ مطابقةٌ لها؟! وكيف تعرفُ المرأةُ زوجَها من غيره، وغيرُهُ هذا صورةٌ منه؟!

إنَّ الحياةَ كلَّها سَتَضْطَرِبُ وتَفْسُدُ إذا انْتَفَتْ ظاهرةُ التَّنوُّعِ واختلافِ الألوان، الذي خَلَقَ اللهُ عليه النَّاسَ.

ومنها: عَلاقةُ الشَّخص المُسْتَنْسَخ بالشَّخص المُسْتَنْسَخ منهُ: هل هو نفسُ الشَّخص؛ لكونِهُ نسخةً مطابِقةًَ منهُ، أو هو أبوهُ, أو أخٌ لهُ؟!

ومنها: أنَّه يُخالفُ سُنَّة الازْدِوَاج - الزَّوْجِيَّة - في الكَوْن؛ فقد خلق الله النَّاسَ أزواجًا من ذكرٍ وأنثى، وكذلك الحيواناتِ والطُّيورَ والزَّوَاحفَ والحشراتِ؛ بل كذلك النباتاتِ كلَّها؛ بل كَشَفَ لنا العِلْمُ الحديثُ أنَّ الازْدِوَاجَ قائمٌ في عالم الجمادات؛ بل إنَّ (الذَّرَّةَ) - وهي وَحْدَةُ البناء الكَوْنيِّ كلِّه - تَقومُ على (إلِكْتِرُون) و(بُرُوتُون) أي: شحنةٌ كهربائيَّةٌ موجبةٌ، وأخرى سالبةٌ - ثم النَّوَاةُ، وقد سجَّلَ القرآنُ الكريمُ تلك الحقيقةَ؛ قال تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ:8]، وقال سبحانه: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:45-46].

ويقول: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس:36]، ويقول: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49]. ولكنَّ الاسْتِنْسَاخَ يقومُ على الاستغناء عن أحد الجِنْسَيْن، والاكتفاءِ بجنسٍ واحدٍ.

أما قول السَّائلةِ: "هناك شيوخٌ يُعَادُونَ كلَّ جديدٍ؛ مثلَ (الإنْتَرْنِتْ)، و(الشَّات)، والاستنساخَ، وغيرَ ذلكَ؛ لمجرِّد أنَّه حديثٌ!!!".

فلو فُرِضَ وجودُ مَنْ يُعادي الجديدَ من حيثُ إنَّه جديدٌ وحَسْبُ فهذا من أَجْهَلِ النَّاس، ويدخل في قول الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس:39]، وهذا لم يُعْرَفْ عند المسلمين، وإنما وُجِدَ في نَصارى الغَرْبِ، الذين أَحرَقُوا العلماءَ أصحابَ الاخْتراعاتِ في الأفْرَان!!

أما علماءُ المسلمين؛ فلم يُعَادوا شيئًا من هذا، وإنما يَذكُرُون الضَّوابطَ الشَّرعيَّة لاستعمال ما هو حديث، على طريقة المِصْفَاة أو الفَلْتَرَة التي ذكرنَاها في صَدْر الفتوى؛ كضوابطِ استخدام (الإنْتَرْنِتْ)، من عدم الدُّخول إلى المواقع الإباحِيَّة، أو مواقع التَّعارف بين الجنسين، وما شابه.

وكذلك يذكرونَ ضوابطَ استخدام (الشَّات)، فيُبيحُونَه في جميع الوسائل المشروعة؛ بل ويستخدِمُهُ أكثرُهُم في الدَّعوة إلى الله، ورَدِّ الشُّبُهَات، والمناظرات، وغير ذلك، وإنَّما يَمنَعونَ - فقط - المحادثات الفردية بين الجنسين في برامج المحادثة، وغُرَفَ الحديث المنفرد - في (الديجي شات) و(البالتوك) و(الياهو) وغيرها - وإن كانوا يُبيحُونَ المشاركةَ الجماعيَّةَ في المنتديات العامَّة.

فَدَوْرُ العلماء في هذا وغيره: المُحَافَظةُ على هوِيَّة الأُمَّة، في ظل استخدام التِّقْنِيَات الحديثة.

وإنْ كان كثيرٌ من أبناء المسلمين - هَدَاهُمُ الله - لا يَرْضَوْنَ بدَوْرِ العلماء ولا بضوابط الشَّريعة في استخدام التِّقْنِيَات، ممَّا تَرَتَّب عليه ما نراهُ ونسمعهُ - جميعًا - منَ انتشارٍ للرَّذيلة، وهَدْمٍ للأخلاق، وضياعٍ للأمانة؛ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى،، والله أعلم.



موقع الألوكة