دفع التعارض حول أجساد الأنبياء بعد الموت

سمعت المذيع وكان يتكلم في فضل يوم الجمعة، وذلك في يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول، وقد أورد حديثاً يقول: (فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ). قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت، فقال: (إن الله -عز وجل- حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) رواه الخمسة إلا الترمذي، أليس هذا يتعارض مع الآية الكريمة التي يقول الله فيها: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ[الكهف:110]، وقوله: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا[الكهف:8]، وأنه لما دخل عليه العباس عمه، حينما مات ومكث ثلاثة أيامٍ قبل أن يدفن، وكان واضعاً يديه على أنفه وقال له: (عجلوا بدفن صاحبكم، والله إنه ليأسن كما يأسن سائر البشر). وهذا الحديث الذي سمعته موجود في كتاب: "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"، والحديث أيضاً أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وذكره ابن أبي حاتم في العلل، وحكي عن أبيه بأنه حديث منكر؛ لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو منكر الحديث، وقال ابن العربي: [إن الحديث لم يثبت]. وأسأل الله -تعالى- أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه؟

الإجابة

الحديث المذكور معروف عند أهل العلم، ولا بأس به عند أهل العلم، ولا نكارة في ذلك، فإن الله -جل وعلا- له أن يخص من شاء من عباده بما يشاء - سبحانه وتعالى -، فإذا خص الأنبياء بتحريم أجسادهم على الأرض، فلا غرابة في ذلك بما لديهم من الكرامة، والصلاة والسلام عليه مشروعةٌ مطلقاً، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضاً من تخصيص الجمعة في ذلك لما جاء في الحديث فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائماً عليه الصلاة والسلام، في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله - عز وجل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [(56) سورة الأحزاب]. اللهم صلي عليه وسلم صلاةً دائماً إلى يوم الدين، وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه مسلم في الصحيح: (من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه بها عشراً). فالصلاة والسلام عليه أمرٌ مشروع في حياته وبعد وفاته، حال كونه في حياة البرزخ وفي غير ذلك، فهذا أمرٌ مشروع ومعلوم. أما كون جسده يبقى فهو في هذا الحديث، وسنده لا بأس به عند أهل العلم. وأما قول العباس فلا أعلم إلى يومي هذا صحته، ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحته أثر العباس فإنه لا ينافي ما قاله العباس قد يعتري الجسد ما يعتريه ولكنه يسلم ويبقى، ويحرم على الأرض أن تأكله ويزول ما يعتريه من تغير ورائحة تزول، فإن الله على كل شيءٍ قدير - سبحانه وتعالى -، فإذا وضع في القبر فبالإمكان أن تزول هذه الرائحة وهذا التغير وأن يبقى الجسد سليماً طرياً ليس في هذا ما يمنع، ليس في الشرع ولا في العقل ما يمنع ذلك. والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقاً سواء بقي الجسد أو لم يبق الجسد، وكونه تعرض عليه المهم الروح، فإن روحه باقية، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار، وروحه - صلى الله عليه وسلم- في أعلى عليين -عليه الصلاة والسلام-، وأرواح المؤمنين في صفة طائر يعلق في رياض الجنة، وأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهي في أجواف طير خضر؛ كما جاء في الحديث الشريف. فالمقصود أن الأرواح باقية، وبالإمكان عرض الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم- وإن ذهب الجسد، ولكن حديث: (إن الله حرم الله الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لا بأس به، فالأصلُ الأخذ به والبقاء عليه حتى يُعلم بالنص الذي لا شك فيه ما يخالف ذلك. وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) خبر منه - صلى الله عليه وسلم-، وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، ثبت وسلم الخبر من العلة، وهو عند أهل العلم بأسانيد صحيحة، ولا بأس به، وإذا ثبت أثر العباس فإن ما قاله العباس لو ثبت ووقع فإنه لا يمنع من بقاء الجسد وزوال هذا الأثر الذي قاله العباس مما يعتري الأجساد، قد يعتريه ما يعتريه ويزول ولا يبقى له أثر، وقد يكون العباس قاله عن اجتهادٍ منه واعتقاد أنه - صلى الله عليه وسلم- كالناس في هذا الأمر، ولم يبق لهذا الخبر الذي رواه أوس بن أوس، وهو خبر أن الله حرم الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فالحاصل أن العباس قال ذلك إذا ثبت عنه عن اجتهاد وعن اعتبارٍ له بغيره من الناس، ولله أن يخصه بشيء دون بقية الناس، كما خصه بأشياء دون بقية الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-، فهذا كله لا يوجب اعتراضاً، ولا يقدح في هذا الحديث لو صح الأثر عن العباس.