حكم من ترك واجبًا أو فعل محظورًا في الحج

السؤال: فضيلة الشيخ أنا ذهبتُ إلى الحج قبل ست سنوات تقريبًا، وأنا مُحْرِمة قَصَصْتُ أظفاري، وأزلتُ شعرا من جسمي، وتركت طواف الوداع لأنَّهم قالوا: إنه سُنَّة، هَلْ عليَّ ذبح، وإذا كان عليَّ ذبح فكم ذبيحةً، واذا لم يكن عليَّ ذبح فماذا عليَّ أن أفعل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

من قلَّم أظْفارَهُ أو أزال شَعرًا من جَسَدِه، عالِمًا بالتحريم ذاكرًا له فعليه فدية ذلك.

قال ابنُ قُدامة في (المغني) : قال ابنُ المُنْذِرِ: "أَجْمَعَ أَهْلُ العِلمِ على أَنَّ المُحْرِمَ مَمنُوعٌ من أَخْذِ أَظْفارِهِ، وعليهِ الفِدْيَةُ بِأَخْذِها في قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ؛ وهو قَولُ حَمّادٍ, وَمالِكٍ, والشّافِعِيِّ, وأَبي ثَوْرٍ, وأَصْحابِ الرّأيِ، وَرُوِيَ ذلك عن عَطاءٍ.. إلى أن قال: والْحُكْمُ في فِدْيَةِ الأَظْفارِ كالْحُكْمِ في فِدْيَةِ الشَّعْرِ سَواء". انتهى.

والدليلُ على ذلك قولُه تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، والنُّسُك هو الذّبْح.

وقد روى (البخاريُّ ومسلمٌ) عن كعب بْنِ عُجْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرَّ به زَمَنَ الحُدَيْبية، فقال: "قد آذاك هوامُّ رأسِكَ؟ قال: نعم، فقال: احلقْ، ثم اذْبَحْ شاةً أو صُمْ ثلاثة أيام، أَوْ أطْعِمْ ثلاثة آصُعٍ من تمر على سِتَّةِ مساكينَ"، والفدية على التخيير بين الصيام أو إطعام السّتَّة المساكين أو ذَبْحِ الشاة وتفريقِها على فُقَراءِ الحرم.

وعليه؛ فإذا كُنْتِ قد قَلَّمْتِ أظفارَكِ أو أَزَلْتِ الشعر، وأنت عالمةٌ بالتحريم، ذاكرةٌ أَنَّكِ ما زالت في حال إحرام - فإنَّ عليك كفَّارةً لكل مَحْظورٍ؛ لأَنَّهما من جنسيْنِ مختلفِيْنِ.

أمَّا إذا كنت قد فعلتِ ذلك وأنت ناسيةٌ، أو جاهلة الحكم فلا شيءَ عليْكِ -إن شاء الله - لأنَّ القاعدةَ المطَّردة في الشَّرْعِ والَّتي قرَّرها شيخُ الإسلام ابْنُ تيمية وغيرُه: هي عدمُ مؤاخذة الجاهل أو الناسي.

أمَّا طوافُ الوداعِ فَقَدِ اختلف أَهْلُ العِلْمِ في وجوبه على قوليْنِ: فمذهبُ الجُمهور أنَّهُ واجبٌ ويلزم تاركَه دمٌ، إلا على حائضٍ فإنَّها لا تطوف هذا الطوافَ، ولا يلزمها شيءٌ، واحتجّوا بِما رواه الشيخان عنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما أنَّهُ قال: "أُمِرَ النَّاسُ أن يكونَ آخر عَهْدِهم بالبيت إلا أنَّه خُفِّفَ عن الحائض".

وذهب الإمام مالكٌ رحمه الله وهو قولٌ في مذهب الشافعيّ إلى أنَّه سُنَّة، واستدلّوا بترخيص النبيّ صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه، ولم يأمرها بدمٍ ولا غيرِه. قالوا: لو كان واجبًا لأَمَر بِجَبْرِه؛ إذ لا رُخصةَ لها في تَرْكِ غيْرِه من الواجبات، فما تُرِكَ منها ولوِ اضطرارا يُجْبَرُ بِدَم.

وحيثُ إِنَّكِ قد تركت طواف الوداع اعْتِمادا على القول بعدَمِ وُجوبه - فلا شيءَ عليْكِ؛ إن كنت عملت بهذا بناء على فتوى عالم معتبر، فالعامي مذهبُه مذهبُ مَن يُفْتِيه، فإذا أشْكَلَ عليه أمرٌ من أمور دينه، سأل مَنْ يَثِقُ بِعِلْمِه، وعليه أن يختار الأعلمَ والأتقَى والأوْرَعَ من أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وتقليدُ العاجِزِ عن الاستدلال للعالِم يَجُوزُ عند الجمهور" وأما إن كنت عملت بهذا بناء على كلام العام، فهذا تهاون منك، إذ كيف تستفتين من ليس من أهل الفتوى، فيكون عليك في هذه الحال دم، تذبحينه في مكة، وتوزعينه على فقراء الحرم،، والله أعلم.



موقع الألوكة