النذر لقبر النبي يونس

سائل يقول: قبل ثلاث سنوات نذرت لوجه الله تعالى نذراً؛ فقلت: علي نذر أن أضع ديناراً عراقياً كل شهر في قبر النبي يونس عليه السلام، مع العلم أن المبالغ التي توضع في القبر تؤخذ. فهل هذا النذر صحيح وجائز وأستمر على تنفيذه أم أتوقف أم أعطيه للفقراء كل شهر؟ وما الحكم إذا توقفت عن وضعه وعدم إعطائه للفقراء؛ وما هي كفارة ذلك؟ أفيدوني أثابكم الله.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فقد أجمع أهل العلم على أن النذر لا يجوز لغير الله كائناً من كان؛ لأنه عبادة وقربة إلى الله سبحانه وتعالى، والناذر يعظم المنذور له بهذا النذر، والنذر للأموات من الأنبياء وغير الأنبياء شرك أكبر، فإذا نذر أن يقدم دراهم أو دنانير أو أطعمة أو زيتاً أو غير ذلك للقبور أو للأصنام أو غيرها من المعبودات من دون الله، فإنه يكون نذراً باطلاً، ويكون شركاً أكبر.

فالواجب عليك في هذا أن تدع هذا العمل؛ لأن نذرك باطل، وعليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن تقديم النذر إلى قبر النبي يونس عليه الصلاة والسلام مقصوده القربى، أي التقرب إليه بهذا النذر، وطلب الزلفى لديه، أو الشفاعة منه إلى الله في شفاء المرضى، أو كذا أو كذا، وهذا كله باطل، ولا يجوز النذر إلا لله وحده سبحانه وتعالى.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) خرجه البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها، والله يقول سبحانه: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[1]، فالنذر الشرعي مدح الله الموفين به، كالنذر بأن تصلي أو تصوم أو تتصدق لله فهذا نذر شرعي، قال سبحانه وتعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا[2]، مدح المؤمنين بهذا الوفاء.

أما النذور التي للقبور والأشجار والأحجار أو للأصنام أو للكواكب أو للجن أو للأنبياء أو للأولياء، فكلها نذور باطلة؛ لأنها عبادة، والعبادة لله وحده، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[3]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[4]، وقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[5]، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[6].

فبادر بالتوبة إلى الله، واستغفر الله سبحانه وتعالى، واحفظ مالك ولا تقدمه إلا في شيء يرضي الله كالصدقة على الفقراء والمساكين، وصلة الرحم، وتعمير المساجد ودورات المياه حولها، ونحو ذلك مما ينفع المسلمين. أما النذور للقبور أو للجن، أو للأصنام أو للأشجار والأحجار، أو للكواكب، كلها نذور باطلة لا يجوز تنفيذها بالكلية، وهي قربة لغير الله، وعبادة لغير الله، وشرك بالله سبحانه وتعالى، رزقنا الله وإياك الهداية والبصيرة، ومن علينا وعليك بالتوبة النصوح، إنه جل وعلا جواد كريم.

[1] البقرة: 270.

[2] الإنسان: 7.

[3] الإسراء: 23.

[4] البينة: 5.

[5] الذاريات: 56.

[6] الفاتحة: 5.