أفتي د. علي جمعة بحرمة ختان الإناث فهل هو حرام فعلاً؟

السؤال: أعلن د. علي جمعة مفتي مصر أن ختان الإناث حرام, بعد وفاة طفلة أثناء عملية ختان, في هجوم يشنه على ختان الإناث. وبحسب وكالة رويترز فإن مفتي مصر شدد على أن "عادة الختان الضارة التي تمارس في مصر في عصرنا حرام"، وأفتى د.علي جمعة بحرمة الختان فهل هو حرام فعلاً أنصحونا لكى لا أختن أبنتي فأنا في حيرة شديدة .

الإجابة

الإجابة: فقد اتفق الأئمة - رحمهم الله - على مشروعيته الختان للنساء، واختلفوا هل هو واجب أو مستحب.

- ففي المذهب الحنفي: أن الختان للنساء مكرمة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه؛ كما في "شرح المختار" للموصلي الحنفي، وقال نظام الدين البلخي في "الفتاوى الهندية": "اختلفت الروايات في ختان النساء ذكر في بعضها أنه سنة هكذا حكي عن بعض المشايخ، وذكر شمس الأئمة الحلواني في "أدب القاضي" للخصاف أن ختان النساء مكرمة، كذا في "المحيط"، وقال ابن عابدين - في كتاب الطهارة من "السراج الوهاج" -: "اعلم أن الختان سنة عندنا للرجال والنساء".

- وفي المذهب المالكي: أنه مستحب قال في "منح الجليل شرح مختصر خليل": "الراجح أن ختن الذكر سنة وخفض الأنثى مستحب"، وقال القاضي عياض - المالكي -: الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها؛ فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب.

- وفي المذهب الشافعي: قال النووي في "المنهاج": "ويجب ختان المرأة بجزء من اللحمة بأعلى الفرج, والرجل بقطع ما تغطي حشفته بعد البلوغ". وقال في "المجموع": ( الختان واجب على الرجال و النساء عندنا ، و به قال كثيرون من السلف ، كذا حكاه الخطَّابيُّ ، و ممن أوجبه أحمد ... و المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله و قطع به الجمهور أنه واجب على الرجال و النساء". وقال البيجرمي في "التحفة": حاصل ما في الختان أن يقال: "إن الختان واجب في حق الرجال والنساء على الصحيح".

- وفي المذهب الحنبلي: الختان مكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد أنه واجب على الرجال والنساء،كما في "المغني". وقال البهوتي - الحنبلي - في "كشاف القناع": "و يجب ختان ذكرٍ ، وأنثى"اه.

واستدل الفقهاء على مشروعية ختان النساء بأدلة كثيرة؛ منها:
* قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب))؛ متفق عليه عن أبي هريرة، وهو عموم يشمل الرجال والنساء والفطرة في الحديث فسرها أكثر العلماء: بأنها السنة التي اختارها الله لأنبيائه وعباده الصالحين، قال النووي تفسير الفطرة هنا: "بالسنة هو الصواب، والسنة هنا هي الطريقة المتبعة".
* ومنها: أن إبراهيم عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين سنة، كما ثبت ذلك في حديث متفق عليه، وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {[النحل:123]، ولا فارق بين الرجل والمرأة في مشروعية الاقتداء بإبراهيم.
* ومنها: بحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل))؛ رواه أبو داود وصححه الألباني، وقوله: "لا تنهكي" معناه: لا تبالغي في القطع، أي اقطعي بعض القلفة ولا تستأصليها.
* ومنها ابن عمر قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على نسوة من الأنصار فقال: "يا نساء الأنصار اختضبن عمساً، واختفضن ولا تنهكن؛ فإنه أحظى لإناثكن عند أزواجهن ))، رواه البيهقي في شعب الإيمان.
* ومنها: ما رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ))، فيه دليل على أن النساء كن يختتن على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام: "والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها, فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة، ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء, فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر, ولهذا من الفواحش في نساء التتر, ونساء الإفرنج, ما لا يوجد في نساء المسلمين, وإذا حصل المبالغة في الختان ضعفت الشهوة, فلا يكمل مقصود الرجل, فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال".

وعليه؛ فالقول بحرمة الختان قول محدث وباطل، ومُخالِف لما أجمعت عليه الأمة، فمن المقرر أن العلماء إذا اختلفوا في مسألة على قولين أو أكثر، فلا يجوز لمن جاء بعدهم إحداث قول جديد - لاسيما إن كان هذا القول الجديد رافعًا للأقوال السابقة - لأنه يلزم منه تخطِئةَ الأُمة، وغياب الحق عن جميعهم، وهو ممتنع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تزال طائفة من أُمَّتي يُقاتِلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة))؛ متفق عليه عن جابر.

قال ابن قدامة في "المغني": "ومتى اختلف الصحابة على قولين, لم يجز إحداث قول ثالث; لأنه يفضي إلى تخطئتهم, وخروج الحق عن قول جميعهم, ولا يجوز ذلك". وقال: "ومتى ما انقسم أهل العصر على قولين في حكم, لم يجز إحداث قول ثالث, لأنه يخالف الإجماع, فلم يجز المصير إليه"، وهو ما قرره النووي في "المجموع".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لهذا كان من شعار أهل البِدَع, إحداث قول أو فعل, وإلزام الناس به وإكراههم عليه".
قال في "كنز الدقائق": "... هذا اختلاف السلف على ثلاثة أقوال وإحداث قول رابع خروج عن الإجماع فلا يجوز".

قال الزركشي في "البحر المحيط": "إذا اختلف أهل العصر في مسألة على قولين, فهل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟ فيه مذاهب:
* الأول: المنع مطلقًا؛ وهو كاتفاقهم على أن لا قول سوى هذين القولين؛ قال الأستاذ أبو منصور - وهو قول الجمهور - وقال إلكيا: إنه الصحيح، وبه الفتوى، وقال ابن برهان: إنه مذهبنا، وجزم به القفال الشاشي في كتابه، والقاضي أبو الطيب، وكذا الروياني، والصيرفي، ولم يحكيا مقابله إلا عن بعض المتكلمين، وقال صاحب "الكبريت الأحمر": "هو مذهب عامة الفقهاء، ونص عليه الشافعي - رحمه الله - في رسالته.

* والثاني: الجواز مطلقًا؛ قال القاضي أبو الطيب: رأيت بعض أصحاب أبي حنيفة يختاره وينصره ونقله ابن برهان، وابن السمعاني عن بعض الحنفية، والظاهرية، ونسبه جماعة منهم القاضي عياض إلى داود قال ابن حزم: وهذا القول وإن كنا لا نقول به، فقد قاله أبو سليمان، وأردنا تحرير النقل عنه.

* والثالث: -وهو الحق عند المتأخرين- أن الثالث إن لزم منه رفع ما أجمعوا عليه لم يجز إحداثه، وإلا جاز، وكلام الشافعي في الرسالة يقتضيه". اه.مختصرا.

ومما سبق يتبين أن القول بحرمة ختان الإناث خطأ محض، ويلزم من القول به رفع أقوال أهل العلم، وتخطئة جميع السلف، واتهامهم بأن الحق قد غاب عنهم أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان،، والله أعلم.

هذا؛ وموت فتاة - رحمها الله - بخطأ طبي لطبيبة أعطتها جرعة زائدة من المخدر - على فرض صحة تلك الدعوى - لا يبرر تحريم الحلال، بل كان الواجب - عند جميع العقلاء - معاقبة المخطئ - إن وُجِد - ومنع الأسباب المؤدية لهذا الاستهتار المتكرر بحياة البشر، ولو اتُّبِعَ مبدأ التحريم هذا، لَحُرِّمَ العلاج رأسًا؛ لأن ضحايا الإهمال الطبي من الكثرة بمكان بحيث ضاقت بهم البلاد. وأيضًا؛ كم حصدت المبيدات المسرطنة أرواح الملايين، ولم تصدر فتوى بتحريم استعمال تلك المبيدات، أو تَجْريم من استوردها، أو تجريم من يلوث مياه الشرب بالمبيدات ومخلفاتها؛ مما يصيب الملايين بالفشل الكلوي والكبدي والمعوي، أو تجريم من استورد القمح المسرطن، ... إلى غير ذلك مما عمت به البلوى. ثم لو كانت تلك الفتوى رَدَّةُ فعلٍ طبيعية - غَيْرَةً - على قتل فتاة بريئة - فأين تلك الغَيْرَةُ على سفك دماء أكثر من ألف راكب ماتوا غرقا في عبارة الموت!! ومئات الآلاف في حرائق وحوادث القطارات؟!



نقلاً عن موقع الآلوكة.