فَصْل قول القائل‏ لو قيل لهم‏:‏ أيما أكمل؟!

السؤال: فَصْل قول القائل‏ لو قيل لهم‏:‏ أيما أكمل؟!

الإجابة

الإجابة: وأما قول القائل‏:‏ إنه لو قيل لهم‏:‏ أيما أكمل‏:‏ ذات توصف بسائر أنواع الإدراكات من الذوق والشم واللمس‏؟‏ أم ذات لا توصف بها ‏؟‏ لقالوا‏:‏ الأول أكمل، ولم يصفوه بها‏.
‏‏
فتقول مثبتة الصفات لهم‏:‏ في هذه الإدراكات ثلاثة أقوال معروفة‏:
‏‏
أحدها‏:‏ إثبات هذه الإدراكات لله تعالى كما يوصف بالسمع والبصر‏.
‏‏
وهذا قول القاضي أبي بكر وأبي المعالي، وأظنه قول الأشعري نفسه، بل هو قول المعتزلة البصريين الذين يصفونه بالإدراكات‏.‏

وهؤلاء وغيرهم يقولون‏:‏ تتعلق به الإدراكات الخمسة أيضًا كما تتعلق به الرؤية، وقد وافقهم على ذلك القاضي أبو يعلى في ‏[‏المعتمد‏]‏ وغيره‏.‏

والقول الثاني‏:‏ قول من ينفي هذه الثلاثة، كما ينفي ذلك كثير من المثبتة أيضًا من الصفاتية وغيرهم‏.
‏‏ وهذا قول طوائف من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد، وكثير من أصحاب الأشعري وغيره‏.‏

والقول الثالث‏:‏ إثبات إدراك اللمس دون إدراك الذوق، لأن الذوق إنما يكون للمطعوم، فلا يتصف به إلا من يأكل، ولا يوصف به إلا ما يؤكل، والله سبحانه منزه عن الأكل بخلاف اللمس، فإنه بمنزلة الرؤية، وأكثر أهل الحديث يصفونه باللمس، وكذلك كثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا يصفونه بالذوق‏.‏

وذلك أن نفاة الصفات من المعتزلة قالوا للمثبتة‏:‏ إذا قلتم‏:‏ إنه يرى، فقولوا‏:‏ إنه يتعلق به سائر أنواع الحس‏.‏

وإذا قلتم‏:‏ إنه سميع بصير، فصفوه بالإدراكات الخمسة‏.‏

فقال أهل الإثبات قاطبة‏:‏ نحن نصفه بأنه يرى، وأنه يسمع كلامه، كما جاءت بذلك النصوص، وكذلك نصفه بأنه يسمع ويرى‏.‏

وقال جمهور أهل الحديث والسنة‏:‏ نصفه أيضًا بإدراك اللمس؛ لأن ذلك كمال لا نقص فيه‏.‏

وقد دلت عليه النصوص بخلاف إدراك الذوق، فإنه مستلزم للأكل وذلك مستلزم للنقص، كما تقدم‏.‏

وطائفة من نظار المثبتة وصفوة بالأوصاف الخمس من الجانبين‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنه يمكن أن تتعلق به هذه الأنواع، كما تتعلق به الرؤية؛ لاعتقادهم أن مصحح الرؤية الوجود، ولم يقولوا‏:‏ إنه متصف بها‏.
‏‏
وأكثر مثبتي الرؤية لم يجعلوا مجرد الوجود هو المصحح للرؤية، بل قالوا‏:‏ إن المقتضى أمور وجودية، لا أن كل موجود يصح رؤيته، وبين الأمرين فرق؛ فإن الثاني يستلزم رؤية كل موجود، بخلاف الأول، وإذا كان المصحح للرؤية هي أمور وجودية لا يشترط فيها أمور عدمية، فما كان أحق بالوجود وأبعد عن العدم، كان أحق بأن تجوز رؤيته، ومنهم من نفى ما سوى السمع والبصر من الجانبين.



مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس (العقيدة)