محدثات وبدع عند موت الميت

بعد دفن أي ميت في بلدتنا ورجوع أهل الميت إلى المنزل يصحبهم الكثير من أهالي البلدة، فيجتمع القُراء في بيت المتوفى، ويقرؤون القرآن بطريقة تقسيم القرآن إلى أجزاء، ويتلونه معاً في ساعة واحدة، كلٌ يقرأ جزءاً أو اثنين، ثم يتناولون طعام الصدقة الذي تم إعداده، وهو عبارة عن عدة رؤوس من الأغنام تم ذبحها قبل دفن الميت، يتم هذا في اليوم الأول والثاني والثالث، ثم في يوم الأسبوع، فهل يصل ثواب القراءة والصدقة على هذا النحو للميت؟ مع العلم أن الذين حضروا وأكلوا من طعام الصدقة ليسوا من المحتاجين؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

الإجابة

هذا العمل لا أعلم له أصلاً في الشرع، وهو من البدع التي أحدثها الناس، فليس من عادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عادة أصحابه الرجوع إلى بيت المتوفى أو غيره بعد الدفن ليجتمعوا على الطعام وعلى قراءة القرآن، ليس هذا من سنة المسلمين فيما نعلم، أما إن كان ذلك من غير قاعدة أو من غير اتباع معين بل صدفة بأن دعاهم بعد ما رجعوا دعاهم بعض إخوانهم وقدَّم لهم طعاماً أو قرأ أحدهم بعض القراءة من غير أن تكون عادة مستمرة ولا سنة قائمة بل عارض لعارض فهذا لا يضر، إن رجعوا وقال بعض إخوانهم: تفضلوا عندي وأطعمهم ما تيسر أو قرأ أحدهم بعض القراءة لأنفسهم هذا لا بأس، أما أن يتخذوا هذا عادة بعد ما يرجعون إلى محل الميت أو إلى محل فلان أو فلان قاعدة ليقرءوا القرآن ويثوبوه ويأكلون مما أعد قبل الموت فهذا لا أصل له، بل هو من البدع، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس علي أمرنا فهو رد) خرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة)، وكان يقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)، رواه مسلم في الصحيح، زاد النسائي بإسناد جيد: (وكل ضلالة في النار)، فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن لا يفعلوا هذا، وإذا فرغوا من دفن الميت كلٌ يذهب إلى أهله ويروح له ويدعو لميتهم، أما قراءة القرآن للميت فليس لها أصل، وإن قال بذلك جمع من أهل العلم قالوا: لا بأس، لكن ليس له أصل معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وقد قال الله عز وجل: ..فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.. (59) سورة النساء، وقال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.. (10) سورة الشورى، وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعلم ما يدل على ذلك عند الرد إليهما، فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وليس من هدي أصحابه، ثم فيه تكليف لمن يبذل هذه الأموال سواء كانوا أهل الميت أو غيرهم، وشرع دين لم يأذن به الله، والله يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن به الله.. (21) سورة الشورى، فالواجب ترك هذه العادة والاشتغال بما ينفع من الدعاء للميت في الطريق وفي البيت والدعاء له والترحم عليه، وإذا أحب أحد أن يتصدق عليه من غير إلزام لأحد فلا بأس، فالصدقة تنفع الميت، أو يتصدق عنه أهله فالصدقة تنفع الميت بأن يعطوا الفقراء صدقة، أو ملابس من ملابسه أو نقود أو طعام كل هذا طيب، من فعله على الميت فهو مأجور، إذا كان الميت مسلماً، كذلك بعث الطعام لأهل الميت إذا صنع لهم جيرانهم أو أقاربهم طعاماً وبعثوا به لأهل الميت لأنهم مشغولون بالمصيبة فهذا مشروع لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى خبر موت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في الشام في مؤتة أمر أهله أن يصنعوا لهم طعاماً، أن يصنعوا لأهله طعاماً فقال: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم)، فأمر ببعث الطعام إلى أهل جعفر رضي الله عنه؛ لأن المصيبة قد شغلتهم عن صنع الطعام لأنفسهم، هذا لا بأس به بل هو مشروع، أما أهل الميت فلا، أهل الميت لا يقدمون الطعام للناس ولا يصنعونه للناس ولا يكلفون بذلك لا من مال الميت ولا من غير مال الميت، لكن لو نزل عليهم ضيف وأطعموه من طعامهم أو أطعموه مما يناسبه لأنه ضيف لا من أجل الميت لا من أجل اتخاذ العادة بل من أجل الضيف فلا بأس.