باب الخلاف في الحج عن الميت

السؤال: باب الخلاف في الحج عن الميت

الإجابة

الإجابة: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: لا أعلم أحداً نُسب إلى علم ببلد يعرف أهله بالعلم خالفنا في أن يُحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه إلا بعض من أدركنا بالمدينة وأعلام أهل المدينة والأكابر من ماضي فقهائهم تأمر به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر علي بن أبي طالب وابن عباس به وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وربيعة، والذي قال لا يحج أحد عن أحد قاله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه سوى ما روى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذلك، أنه أمر بعض من سأله أن يحج عن غيره ثم ترك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج له بعض من قال بقوله بأن ابن عمر قال: "لا يحج أحد عن أحد"!!، وهو يروي عن ابن عمر ثلاثة وستين حديثاً يخالف ابن عمر فيها منها ما يدعه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يدعه لما جاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يدعه لقول رجل من التابعين، ومنها ما يدعه لرأي نفسه!! فكيف جاز لأحد نسب نفسه إلى علم أن يحل قول ابن عمر عنده في هذا المحل ثم يجعله حجة على السنة ولا يجعله حجة على قول نفسه؟ وكان من حجة من قال بهذا القول أن قال: كيف يجوز أن يعمل رجل عن غيره وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها بفرض الله عز وجل؟ كيف والمسألة في شيء قد ثبتت فيه السنة ما لا يسع عالماً والله أعلم، ولو جاز هذا لأحد جاز عليه مثله فقد يثبت الذي قال هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء بأضعف من إسناد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس أن يحج عن بعض، وله في هذا مخالفون كثير منها القطع في ربع دينار ومنها بيع العرايا، ومنها النهي عن بيع اللحم بالحيوان وأضعاف هذه السنن، فكيف جاز له على من خالفه أن يثبت الأضعف ويرد على غيره الأقوى؟ وكيف جاز له أن يقول بالقسامة وهي مختلف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأكثر الخلق يخالفه فيها وأعطى فيها بأيمان المدعين الدم وعظيم المال، وهو لا يعطي بها جرحاً ولا درهماً ولا أقل من المال في غيرها، فإن قال ليس في السنة قياس ولا عرض على العقل، فحديث حج الرجل عن غيره أثبت من جميع ما ذكرت، وأحرى أن لا يبعد عن العقل بعدما وصفت من القسامة وغيرها، ثم عاد فقال بما عاب من حج المرء عن غيره حيث لو تركه كان أجوز له وتركه حيث لا يجوز تركه، فقال: "إذا أوصى الرجل أن يحج عنه حج عنه من ماله"، وأصل مذهبه أن لا يحج أحد عن أحد، كما لا يصلي أحد عن أحد وقد سألت بعض من يذهب مذهبه، فقلت: أرأيت لو أوصى الرجل أن يصلى أو يصام عنه بإجارة أو نفقة غير إجارة أو تطوع، أيصام أو يصلى عنه؟ قال: لا. والوصية باطلة فقلت له: فإذا كان إنما أبطل الحج؛ لأنه كالصوم والصلاة فكيف أجاز أن يحج المرء عن غيره بماله له ولم يبطل الوصية فيه كما أبطلها؟! قال أجازها الناس، قلت: فالناس الذين أجازوها أجازوا أن يحج الرجل عن الرجل إذا أفند. وإن مات بكل حال وأنت لم تجزها على ما أجازوها عليه مما جاءت به السنة ولم تبطلها إبطالك الوصية بالصوم والصلاة فلم يكن عنده فيها سنة ولا أثر ولا قياس ولا معقول، بل كان عنده خلاف هذا كله وخلاف ما احتج به عن ابن عمر، فما علمته إذ قال لا يحج أحد عن أحد استقام عليه، ولا أمر بالحج في الحال التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وعامة الفقهاء وما علمت من رد الأحاديث من أهل الكلام تروحوا من الحجة علينا إلى شيء تروحهم إلى إبطال من أبطل أصحابنا أن يحج المرء عن الآخر حيث أبطلها وأشياء قد تركها من السنن ولا شغب فيه شغبه في هذا، فقلنا لبعض من قال ذلك: لنا مذهبك في التروح إلى الحجة بهذا مذهب من لا علم له أو من له علم بلا نصفة، فقال: وكيف؟ قلت أرأيت ما تروحت إليه من هذا أهو قول أحد يلزم قوله فأنت تكبر خلافه أو قول آدمي قد يدخل عليه ما يدخل على الآدميين من الخطأ؟ قال: بل قول من يدخل عليه الخطأ قلنا فتركه بأن يحج المرء عن غيره حيث تركه مرغوب عنه غير مقبول منه عندما قال فهو من أهل ناحيتكم قلنا، وما زعمنا أن أحداً من أهل زماننا وناحيتنا برئ من أن يغفل، وإنهم لكالناس وما يحتج منصف على امرئ بقول غيره إنما يحتج على المرء بقول نفسه.



الأم - كتاب الحج.