ما رأي فضيلتكم فيمن يقول في إقامة الجماعة الثانية؟

السؤال: سئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن يقول في إقامة الجماعة الثانية وفي الحديث " ألا رجل يتصدق على هذا "إن هذا الحديث فيه متصدق عليه، واللذان تأخر عن الصلاة فأقاما جماعة ثانية، لأن الأصل في العبادة المنع، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

الإجابة

الإجابة: فأجاب فضيلته بقوله: من قال إن الأصل في إقامة الجماعة الثانية المنع نطالبه بالدليل، فهل جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم حرف واحد يقول: لا تعيدوا الجماعة؟ ثم إذا كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر واحداً يقوم ليصلي مع هذا المتخلف مع أنه أدى الواجب الذي عليه، فكيف إذا دخل اثنان فاتتهم الجماعة، فالاثنان مطالبان بالجماعة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أقام من لم يطالب بالجماعة أن يصلي مع هذا، فكيف نقول لمن تلزمه الجماعة لاتصل جماعة؟ هذا قياس منقلب.

وأما تسميتها صدقة فنعم، لأن الرجل الذي يقوم معه قد أدى الواجب الذي عليه، فصلاته الثانية تكون صدقة، ولو كانت إقامة الجماعة الثانية ممنوعة ما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة فيها، لأن الصدقة التي تستلزم فعل المحرم لا تجوز، فلا يمكن أن نفعل مستحباً بانتهاك محرم.

فالمهم أن هذا تعليل لا شك أنه عليل بل أقول: إنه تعليل ميت لا روح إطلاقاً، لكنهم استدلوا بأن ابن مسعود جاء مع أصحابه يوماً وقد فاتتهم الصلاة، فانصرف وصلى في بيته، لكن ليس في فعل ابن مسعود رضي الله عنه حجة مع وجود السنة، هذه واحدة.

ثانياً: روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. ذكره صاحب الفتح الرباني، وقال: إسناده صحيح.

ثالثاً: هل ابن مسعود رضي الله عنه رجع إلى بيته وصلى لأن الصلاة الثانية لا تقام في المسجد؟ أو لسبب آخر؟ لا ندري.

ربما ابن مسعود رضي الله عنه خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيغتدي به الناس، ويتهاونون بشأن الجماعة ويقولون هذا ابن مسعود رضي الله عنه تفوته الجماعة فنحن من باب أولى، وربما كان ابن مسعود انصرف إلى بيته خشية أن يقع في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام: ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه، لأنه يكره إمامتي مثلاً، فيقع في قلبه شي.

فالحاصل أنه لم يعرف السبب الذي من أجله ترك ابن مسعود رضي الله عنه إقامة الجماعة الثانية، وإذا كنا لاندري ما السبب دخل مسألة الاحتمال، والعلماء يقولون: إن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال.

ولكن كما قلت أولاً: عندنا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر فيه بإقامة الجماعة الثانية لفوات الأولى، وقال أيضاً: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده"وهذا عام.

ولهذا أود من طلبة العلم أن لا يأخذوا العلم من رجل واحد، فيعتقدوا أنه معصوم من الخطأ، لو كان أحد معصوماً لكان أول من يعصم الصحابة رضي الله عنهم وهم يقع منهم الخطأ.

وعلى كل حال الذي نرى أن إقامة الجماعة الثانية من السنة إذا لم يكن ذلك عادة، وأما جعل ذلك أمراً راتباً فهذا هو الذي يكون من البدعة، كما كان في السابق يصلي في المسجد الحرام أربعة أئمة، إمام للحنابلة، إمام للشافعية، إمام للمالكية، إمام للحنفية، لكن لما استولى الملك عبدالعزيز رحمه الله على مكة ألغى هذا وقال: لايمكن أن يكون في المسجد واحد أربعة أئمة، لأربع جماعات، فثبت إماماً واحداً وهذا هو عين الصواب فرحمه الله.



مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الخامس عشر- باب صلاة الجماعة