نصيحة الوالد بالمبادرة في زواج الأبناء

أنا شاب أبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً أدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدي حريص على أن أحفظ القرآن قبل كل شيء، وطلبت منه بأني أريد الزواج، وقال: لا أسمح لك حتى تحفظ القرآن كاملاً حفظاً متقناً، إذا أخطأت في الجزء مرتين اعتبرك غير حافظ، وأقسمت بالله وأخذت العهد على نفسي على أن أحفظ القرآن، تم حفظ عشرين جزءاً بالشرط الذي شرطه والدي، وطلبت من والدي أن يسمح لي بالزواج ثم أكمل الباقي ولكنه رفض، وذلك أثناء سفري في الإجازة إلى أهلي، وحصل نزاع بين الوالدين بهذا السبب أدى إلى الطلاق، ورجعت وأنا غاضب على والدي إلى المملكة، وأقسمت أن أكمل حفظ القرآن، ثم دخلت الكلية ولم أتمكن من حفظ خمسة أجزاء، ولكنني محافظ على الباقي، ثم قلت لوالدي في جواب: أقسم لك أنني تركت حفظ القرآن واعتبرني عاقاً لك من الآن فصاعداً، والآن يا سماحة الشيخ أنا نادم على ما قلت لوالدي، هل يلحقني منه إثم، وهل أنا مأجور على الحفظ المشروط علي، علماً بأني أتدبر آيات القرآن، هل يجب علي حفظه، وكنت أقصد بنفسي التأكيد على نفسي، وأقسمت بالله على عدم السفر إلى أهلي لمدة ثلاث سنوات، والآن أريد السفر بطلب من والدتي وإلحاحها عليّ، ماذا أفعل، هل أسافر أم أبقى هنا وأترك طلب والدتي؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، وأرجو أن تتفضلوا بتقديم نصيحة لوالدي لعله يستمع إليها ويستفيد، وأنا عازم على ترك الزواج، والعكوف على طلب العلم وحفظ القرآن، هل هذا يجوز لي على أن أكون داعياً إلى الله على بصيرة وعلم، أم يجب عليَّ الزواج ما دمت قادراً، ارجوا توجيهي حيال قضيتي هذه، جزاكم الله خيراً؟

الإجابة

لا شك أن والدك -جزاه الله خيراً- إنما فعل ما فعل، قصده الخير لك، ودفعك بحفظ كتاب الله العظيم، فهو مشكور على قصده، وعلى نيته وعلى تشجيعه لك، ولكن ليس هذا بشرط من جهة النكاح، فنصيحتي للوالد أن يتسامح، وأن يتنازل عن هذا الشرط، وأن يزوجك لما في الزواج من المصالح العظيمة، والخير الكثير لك، وله وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، فنصيحتي للوالد مرة أخرى أن يزوجك، وأن يتسامح عما حصل منك، وأن تستبيحه أيضاً، وان تستحله عما كتبت إليه من العقوق، قد أسأت فيما كتبت إليه، وما كان ينبغي لك ذلك؛ لأن والدك إنما قصده النصح، وما جرى بينه وبين زوجته ليس مما يعنيك أنت بل عليك أن تتوسط في الخير والكلام الطيب، فالحاصل أن عليك أن تستسمح والدك، وأن تسأله أن يعفوا عنك، وأن تتوب إلى الله مما كتبت إليه من العقوق والكلام الرديء، وعلى والدك أن يقبل عليه -جزاه الله خيراً- أن يسمح، وأن يصفح عما جرى منك؛ بسبب شدة الغضب والرغبة في الزواج، وأنت عليك أن تستسمحه، وتطلب منه الرضا، والعفو عما جرى منك، وأسأل الله أن يهديه حتى يزوجك، وأن يهديك أيضاً ويعينك على حفظ القرآن الكريم، وعلى تحصيل العلم النافع، والله -جل وعلا- يقول في كتابه العظيم: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)(2)سورة الطلاق، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)(4) سورة الطلاق، فأوصيك بتقوى الله في جميع الأحوال، وأوصيك أيضاً بالحرص على رضا والدك، و بره، والسمع والطاعة له في المعروف، والحرص على حفظ كتاب الله وهو -إن شاء الله- سوف يبادر، وسوف يفعل وسوف يزوجك وإن كنت لم تكمَّل حفظ القرآن، وعليك أن تجيب الوالدة، وتسافر، وتكفر، عن يمينك؛ لأن حق الوالدة عظيم أيضاً، وحقها أكبر من حق الأب، فنوصيك بالسفر إليها، والتكفير عن يمينك بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، واستسماح والدك، والأخذ بخاطره، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يصلح حالك، وقلبك، وأن يوفق والدك لتزويجك، وأن يعينك على حفظ كتابه وعلى القيام بحقه، وعلى الدعوة إليه على بصيرة. جزاكم الله خيراً، إذاً كونه يترك الزواج من أجل التفرغ للدعوة إلى الله لا تنصحونه؟ لا ننصحه ألَّا يدع الزواج، بل يبادر، والزواج لا يمنعه من العلم والعلم لا يمنع من الزواج، فعليه أن يتزوج، وأن يواصل الدراسة، وسوف يعينه الله إن -شاء الله-.