تفسير إلحاق المرأة بالكلب الأسود والحمار في قطعها للصلاة

سماحة الشيخ لعله من المناسب أن تتفضلوا بإيضاح ذلك الإشكال الذي أشكل على إحدى الصحابيات إن لم تكن من إحدى أمهات المؤمنين، حينما ألحقت المرأة بالكلب الأسود وبالحمار، لعل لهذا المقام مناسبة في أن توضحوا هذا لو تكرمتم؟

الإجابة

نعم، جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين أنها لا ترى أن المرأة تقطع وخفي عليها الحديث وقالت: (بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب! كنت أضطجع بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي) فظنت -رضي الله عنها- أن اضطجاعها مثل المرور، وليس الأمر كذلك عند أهل العلم، قال العلماء: المرور شيء واضطجاعها أمامه -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ آخر، فلو كانت المرأة مضطجعة على سريريها أو في الأرض وصلى إليها لا بأس لا حرج كان يصلي إليها وهي أمامه عليه الصلاة والسلام، لا حرج في ذلك، ولا تقطع صلاته، إنما القطع بالمرور من جانب إلى جانب، فإذا مرت من جانب إلى جانب أمامه بينها وبين السترة أو في أقل من ثلاثة أذرع في الثلاثة الأذرع هذا محل القطع، أما الحكمة فالله أعلم، ما هي الحكمة التي جعلت المرأة التي جعلت المرأة تلحق بالحمار والكلب الأسود الله أعلم سبحانه وتعالى! ويمكن أن يقال: إن الحكمة في ذلك أن المرأة تتعلق بها نفوس الرجال وميول الرجال وشهوات الرجال فربما يكون مرورها سبباً لتلبس نفس المصلي وتحرك قلبه لشيء مما يتعلق بالنساء، فكان مرورها قاطعاً للصلاة حتى يمنع مرورها منعاً باتاً حتى لا يتساهل في ذلك، متى علم أن مرورها يقطع صار ذلك من أسباب منع المرور وقطع هذه المادة، يمكن أن يقال هذا والله أعلم! الحكمة قد تظهر وقد لا تظهر، ولكن المسلمون مأمورون بأن يتلقوا أحكام الله ويقبلوها ويعملوا بها وإن لم يعرفوا حكمتها، مع الإيمان بأن ربنا سبحانه حكيم عليم؛ كما قال عز وجل: ..إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11) سورة النساء، ..إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) سورة الأنعام، هكذا في آيات كثيرات يُعْلم عباده أنه حكيم فيما يشرع من المواريث أو من الصلوات أو غير ذلك، كما أنه حكيم فيما يقدره على العباد من مرض أو موت أو غنى أو فقر أو حرب أو سلم أو غير ذلك، هو الحكيم العليم سبحانه في كل شيء، وإن لم يطلعنا على الحكمة في بعض المسائل، وإن لم نعرف الحكمة ولم تتضح لنا، فعلينا أن نؤمن بأنه حكيم عليم، وإن لم نعرف كيف الحكمة، كما أنه سبحانه شرع الفجر اثنتين، والمغرب ثلاثاً، والظهر والعصر والعشاء أربعاً، فما هي الحكمة؟ الله أعلم، لماذا جعل المغرب ثلاثاً؟ ولماذا جعل الفجر اثنتين والجمعة اثنتين؟ ولماذا جعل الظهر والعصر والعشاء أربعاً؟ ولماذا جعل الصيام في رمضان لا في غيره مثل محرم وكرجب؟ ولماذا جعله شهراً بدون زيادة، وقد تظهر الحكمة في عدم الزيادة أنه تخفيف ورحمة من الله، لكن كونه جعله في هذا الوقت المعين بين شوال وبين شعبان الله الذي يعلم الحكمة سبحانه وتعالى، كذلك كونه شرع الزكاة في مال دون مال لحكمة بالغة قد تظهر للعباد وقد لا تظهر للعباد إلى غير ذلك من المسائل التي قد تخفى فيها الحكمة على الناس، لكن يجب الإيمان بأنه حكيم عليم وهكذا في المخلوقات قد يقول قائل: لماذا خلق الذباب؟ لماذا خلق الخنفساء؟ لماذا خلق العقرب؟ لماذا خلق الحية؟ لماذا خلق أشياء أخرى؟ نقول: إن ربك حكيم عليم، هو الخلاق العليم وهو الحكيم العليم، لحكمة بالغة خلق هذه الأشياء سبحانه وتعالى، ومن ذلك: أن يُعلم أنه على كل شيء قدير وأن ما شاء فعل لا راد لقضائه ولا راد لأمره سبحانه وتعالى، فهكذا يقال في بقية الأمور التي تخفى حكمتها ككون المرأة تقطع الصلاة. إذاً لا داعي للمناقشة، لا داعي للتأثر، لا داعي لفتح الباب أمام أولئك الذين يثيرون الشبه؟ ج/ نعم، ليس هناك داعٍ، نحن عبيد، عبيد مأمورون، علينا أن نمتثل أمر الله وأن نترك نهيه سبحانه وتعالى، لأنه ربنا وإلهنا والمنعم علينا وخالقنا ورازقنا وهو أعلم بمصالحنا من أنفسنا، فعلينا أن نسلم لأمره ولا نعترض، أرأيت لو كان إنسان عند مالكٍ له من أبناء الدنيا من الناس فقال لمالكه إذا أمره: أنا لا أمتثل حتى تبين لي مقصدك من هذا الأمر، قال له سيده: هات لنا البعير الفلاني، هات لنا الإناء الفلاني، هات لنا الشاة الفلانية، هات لنا البساط الفلاني، إذا قال له المملوك: أنا لا آتي به حتى تعلمني أيش القصد؟ ما هي الحكمة؟ فهل يكون هذا العبد مرضياً عليه؟ وهل يكون هذا العبد أديباً؟ ليس بأديب ولا مرضي عليه، بل ربما ضربه سيده وربما باعه بأرخص الأثمان؛ لأنه ليس بأديب، فالواجب أن يتمثل ما قاله سيده وأن يحضره، إلا إذا كان شيء يضره أو فيه معصية لله هذا شيء آخر محل بحث، لكن في الجملة الخادم والعبد يمتثل ما يستطيعه، وما لا يعلم فيه معصية لله سبحانه وتعالى، فإذا كان العبد للعبد الخادم للعبد لو اعترض يكون سيئ الخلق وسيئ الأدب فكيف بالعبد مع ربه الخلاق العليم العالم بمصالح العباد؟ كيف يعترض وكيف يقول بلسان حاله: أنا ما أمتثل حتى أعرف أيش حكمة الصوم؟! وأيش حكمة الصلاة؟! وأيش حكمة مروري على الأمام كذا؟ وأيش حكمة طوافي؟ وأيش حكمة شربي قائماً أو قاعداً.. إلى غير هذا، لا، الأدب من العبودية ومن القيام بالواجب أن يمتثل، وأن لا يقف عند المجادلة دائماً. رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاً. سماحة الشيخ في ختام...