المخرج للأمة الإسلامية مما تتعرض له من هجوم أعدائها

لا شك، يعلم سماحتكم ما تتعرض له الأمة من هجوم شرس من أعدائها في كل مكان وعلى كل صعيد. فما المخرج من ذلك أثابكم الله؟

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فلا ريب أن الأمة تبتلى بأعدائها، كما قال الله عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ[1]، فالأمة تبتلى بأعدائها، لكن لا بد من الصبر، ولهذا قال الله عز وجل: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[2]، وقال سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[3]. فالواجب على الأمة الإسلامية الصبر والاحتساب، والاستقامة على دين الله، وأن لا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤها، وعليها أن تلتزم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن تستقيم على ذلك قولاً وعملاً وعقيدة، وأن تحكم شرع الله في عباد الله، هذا هو الواجب على جميع البلدان الإسلامية حكومات وشعوباً، ومتى استقامت على دين الله صدقاً في القول والعمل والعقيدة فإنه لا يضرها نباح أعدائها ولا كيدهم، كما سبق في قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[4]، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[5]، ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[6]، ويقول سبحانه وتعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[7]، ويقول سبحانه: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[8] فالمؤمنون هم المستقيمون على أمر الله، التاركون لمحارم الله، الواقفون عند حدود الله، المحكمون لشرع الله، هؤلاء المسلمون، وهم أولياء الله، كما قال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا[9] فمتى تمسك المسلمون بدين الله، والتزموا بما أوجب الله عليهم، وابتعدوا عما حرم عليهم، وحكموا شريعته فإن الله سبحانه ينصرهم، ويؤيدهم على أعدائهم، ويكتب لهم النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، ويمنحهم الأمن في الدنيا وفي الآخرة، كما قال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[10]، والإيمان إذا أطلق دخل فيه كل ما أمر به الله ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، فالمعنى أنهم استقاموا على توحيد الله، وأدوا حق الله، وابتعدوا عن محارم الله فلهم الأمن ولهم الهداية في الدنيا والآخرة، ولا يضرهم أعداؤهم إذا التزموا بالحق، أما إذا فعلوا بعض ما حرم الله، أو تساهلوا ببعض ما أوجب الله، فقد يبتلون ويصابون بما يكرهون، فأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لمَّا أخَّل الرماة يوم أحد بما يجب عليهم من الموقف الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه، لمَّا أخلوا به دخل عليهم الأعداء من ذلك الموقف وحصلت الهزيمة على المسلمين والقتل والجرح بأسباب المعصية التي ذكرها الله في قوله جل وعلا: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ[11] والمعنى: سلطوا عليكم، وقال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ[12]. والمقصود أن الواجب على المؤمنين حكومات وشعباً الاستقامة على دين الله، والتمسك بشرع الله، والوقوف عند حدوده قولاً وعملاً وعقيدة، والولاء والبراء في ذلك، والمحبة والبغض في ذلك هذا هو الطريق للنصر والسعادة، فإذا استقاموا على ذلك فإنه لا يضرهم أعداؤهم، كما قال سبحانه في الآيات السابقة: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[13]، وإنما يؤتى المسلمون من جهة تقصيرهم وتفريطهم، فإذا قصروا في أمر الله أو فرطوا فيه، أو تركوا ما يجب عليهم من الإعداد الواجب الذي أمر الله به في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[14] أو تركوا الحذر الذي أمرهم الله بأخذه في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ[15] متى فرط المسلمون في شيء مما أوجبه الله عليهم، أو فرطوا باكتساب ما حرم الله عليهم فإنهم قد يصابون بسبب ذلك، أو يسلط عليهم العدو بسبب ذلك. نسأل الله أن يوفق المسلمين حكومات وشعوباً لما يرضيه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يوفقهم لتحكيم شرع الله والاستقامة عليه.

[1] سورة محمد الآية 31.

[2] سورة آل عمران الآية 186.

[3] سورة آل عمران الآية 120.

[4] سورة آل عمران الآية 120.

[5] سورة الأنفال الآية 46.

[6] سورة محمد الآية 7.

[7] سورة الحج الآيتان 40 – 41.

[8] سورة الروم الآية 47.

[9] سورة النور الآية 55.

[10] سورة الأنعام الآية 82.

[11] سورة آل عمران الآية 152.

[12] سورة آل عمران الآية 165.

[13] سورة آل عمران الآية 120.

[14] سورة الأنفال الآية 60.

[15] سورة النساء الآية 71.لقاء مجلة الإصلاح مع سماحة الشيخ، نشر في مجلة الإصلاح في العدد (241) ليوم الخميس الموافق 27/12/1413 ه - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن.