الإجابة:
الحمد لله
أوجب الله بر الوالدين والإحسان إليهما بالقول والفعل ، وحرم إيذاءهما
بالقول والفعل ، حتى لو كان ذلك بأدنى شيء .
قال الله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين
إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا
تنهرهما وقل لهما قولا كريما . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب
ارحمهما كما ربياني صغيرا } [الإسراء:23-24] .
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب ، ومعناه : البعد الأسباب
التي تؤدي إليه ، والاحتراز مما يترتب عليه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني
، قال : " لا تغضب " ، فردد مرارا ، قال : " لا تغضب " .» رواه
البخاري ( 5765 ) .
والغضب للنفس ولغير الله من الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يتنزه
عنها ، وقد يترتب عليه ما يندم عليه صاحبه إما في الدنيا وإما في
الآخرة وإما فيهما معا .
قال ابن مفلح الحنبلي : وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنما
يعرف الحلم ساعة الغضب ، وكان يقول : أول الغضب جنون ، وآخره ندم ،
ولا يقوم الغضب بذل الاعتذار ، وربما كان العطب ( أي الهلاك ) في
الغضب ، وقيل للشعبي : لأي شيء يكون السريع الغضب سريع الفيئة ، ويكون
بطيء الغضب بطيء الفيئة ؟ قال : لأن الغضب كالنار فأسرعها وقودا
أسرعها خمودا . " الآداب الشرعية " ( 1 / 183 ) .
فإذا حدث للمسلم ما يغضبه فينبغي عليه أن يتذكر وصية النبي صلى الله
عليه وسلم ( لا تغضب ) وكأنه يوجه الحديث له مباشرة ، وليتذكر إيجاب
الله تعالى عليه الإحسان إلى والديه وتحريم الإيذاء لهما كأنه يسمعه
منه مباشرة .
ولتسكين الغضب إذا وقع أسباب ، يمكن لمن عمل بها أن يعالج نفسه منه
ومن آثاره ، وقد ذكر الماوردي جملة طيبة منها إذ يقول :
واعلم أن لتسكين الغضب إذا هجم أسبابا يستعان بها على الحلم منها :
1. أن يذكر الله عز وجل فيدعوه ذلك إلى الخوف منه , ويبعثه الخوف منه
على الطاعة له , فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه ، فعند ذلك يزول الغضب .
قال الله تعالى : { واذكر ربك إذا نسيت } قال عكرمة : يعني إذا غضبت ، وقال الله تعالى :
{ وإما
ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ومعنى قوله { ينزغنك } أي : يغضبنك , { فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم }
يعني : أنه سميع بجهل من جهل , عليم بما يذهب عنك الغضب .
وقال بعض الحكماء : من ذكر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم عباد
الله ، وقال عبد الله بن مسلم بن محارب لهارون الرشيد : يا أمير
المؤمنين أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك , وبالذي هو أقدر
على عقابك منك على عقابي لما عفوت عني ، فعفا عنه لما ذكره قدرة الله
تعالى .
2. ومنها : أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها , فيزول
عنه الغضب بتغير الأحوال والتنقل من حال إلى حال .
عن أبي ذر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : « إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه
الغضب وإلا فليضطجع » رواه أبو داود (4782) وصححه الألباني في
صحيح أبي داود .
3. ومنها : أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم والحاجة إلى
الاعتذار .
قال بعض الأدباء : إياك وعزة الغضب فإنها تفضي إلى ذل العذر .
4. ومنها : أن يذكر ثواب العفو , وجزاء الصفح , فيقهر نفسه على الغضب
رغبة في الجزاء والثواب , وحذرا من استحقاق الذم والعقاب ، قال رجاء
بن حيوة لعبد الملك بن مروان لما تمكن من بعض أعدائه وأسرهم : إن الله
قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو ، وأسمع رجل عمر
بن عبد العزيز كلاما يكرهه ، فقال عمر : أردت أن يستفزني الشيطان لعزة
السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا ( يعني : يوم القيامة )
انصرف رحمك الله .
5. ومنها : أن يذكر انعطاف القلوب عليه , وميل النفوس إليه , فلا يضيع
ذلك بالغضب فيتغير الناس عنه وليعلم أنه لن يزداد بالعفو إلا عزا ،
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا » رواه
مسلم (2588) ، وقال بعض البلغاء : ليس من عادة الكرام سرعة الانتقام ,
ولا من شروط الكرم إزالة النعم . " أدب الدنيا والدين " ( ص 258 - 260
) باختصار .
والله الموفق .