لماذا قال عيسى: {فلما توفيتني...}؟

السؤال: فضيلة الشيخ: أعلم ومتيقن بأن الله عزوجل رفع عيسى عليه السلام: {بل رفعه الله إليه}، لكن ما الحكمة هنا عندما قال الله عز وجل على لسان عيسى عليه السلام: {فلما توفيتني}، وما تفسير ذلك؟

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [المائدة: من الآية117]، الحكمة فيه ظاهرة، وهي أن عيسى عليه السلام يُخبر بأنه أبلغ دعوة التوحيد: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [المائدة: من الآية117]، وكان هنا عهده لهم، ثم رفعه الله إليه فانقطع شأنه معهم ولا عودة له إلا قبيل الساعة فيقيم أمر الله ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويعيد دعوة التوحيد ثم يتوفاه الله عز وجل، فذلك قوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ...} [المائدة: من الآية117]، وهذا التفسير يوافق قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ...} [النساء: من الآية159]، فأكثر أهل العلم على أن المعنى: ليؤمننَّ به قبل موت المسيح، وما عداه من الأقوال ضعيف كما رجح شيخ الإسلام في الجواب الصحيح.

والمراد بإيمانهم به ليس هو الإيمان الذي يكون حين الغرغرة وحضور الملائكة، فهذا يراه كل كافر إذا جاءته ملائكة النزع والعذاب، كما حدث لفرعون عند الغرق: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل}، وإنما المراد ليؤمنن به من يكون على ظهر الأرض منهم إذا نزل حكماً عدلاً، فهذا قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النساء:159]، وهذه الشهادة هي التي قال الله تعالى عنها: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى} [المائدة: من الآية110]، إلى قوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: من الآية117].

ولهذا قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: من الآية55]: إن الله لم يذكر أن المسيح مات ولا قتل، وإنما قال: "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ..." [آل عمران: من الآية55]، فأشار بها إلى وفاته آخر الزمان، أما تقديم: {متوفيك} فلا تقتضي الترتيب؛ لأن الواو لا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً، وبعضهم قال: الوفاة المرادة هنا النوم، فاللغة تحتمل ذلك، وللنصوص المتواترة القاضية برفعه ونزوله عليه السلام في آخر الأزمان، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت.