السؤال عن غرائب العلم وما لم يقع

السؤال: السؤال عن غرائب العلم وما لم يقع

الإجابة

الإجابة: وصل إلينا كتابك، وقرأنا الأسئلة التي ذكرت.. والأَوْلَى يا بني أن تهتم بما ينفعك، وتسأل عنه، وتترك ما لا نفع لك فيه. فقد ورد النهي عن السؤال عما لا يُنتفع به، وعن الغرائب، وما لم يقع.

قال ابن مفلح في (الآداب الكبرى) (1): (فصل في كراهة السؤال عن الغرائب وعما لا يُنتفع به ولا يعمل به وما لم يكن): قال المروذي: قال أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج: أمسلمون هم؟ فقلت له: أَحْكَمْتَ العلم حتى تسأل عن ذا؟
ونقل أحمد بن أصرم عن الإمام أحمد أنه سئل عن مسألة في اللعان، فقال: سل رحمك الله عما ابتُليتَ به. ونقل عنه أبو داود: وسأله رجل عن مسألة، فقال له: دعنا من هذه المسائل المحدَثة. وسأله عن أخرى، فغضب، وقال: خذ ويحك فيما تنتفع به، وإياك وهذه المسائل المحدثة وخذ في شيء فيه حديث. وقال الأثرم: سمعت أحمد سئل عن مسألة، قال: دعنا، ليت أنّا نحسن ما جاء فيه الأثر.
وقال أحمد بن حيان القَطِيعي: دخلت على أبي عبد الله، فقلت: أتوضأ بماء النَّوْرة؟ فقال: ما أحب ذلك، فقلت: أتوضأ بماء الباقلاء؟ قال: ما أحب ذلك، قال: ثم قمتُ، فتعلق بثوبي، وقال: أَيْشٍ تقول إذا دخلت المسجد؟ فسكت. فقال: أَيْشٍ تقول إذا خرجت من المسجد؟ فسكت. فقال: اذهب فتعلم هذا.

وروى أحمد من رواية ليث -وهو ضعيف- عن طاوس عن ابن عمر، قال: لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت عمر ينهى أن يُسأل عما لم يكن (2).

وروى -أيضاً- عن ابن عباس(3)، قال: ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سألوا إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قُبض، كلهن في القرآن، وما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم، فإن سألوا عما لا ينفعهم أرشدوا في الجواب عنه إلى ما ينفعهم كالذي ورد في سبب نزول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} (4).

وروى -أيضا- من رواية مجالد عن عامر عن جابر، قال: ما أنزل البلاءَ إلا كثرةُ السؤال. روى ذلك الخلال، وقد تضمن ذلك أنه يكره -عند أحمد- السؤال عما لا ينفع السائل، ويترك ما ينفعه ويحتاجه، وأن العامي يسأل عما ابتُلي به، وقد قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا الله عَنْهَا وَالله غَفُورٌ حَلِيمٌ} (5)، واحتج به الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه. وفي حديث اللعان: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها (6).

وفي (الصحيحين) عن المغيرة بن شعبة مرفوعا: كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. وفي لفظ: "إن الله كره لكم ذلك" (متفق عليه) (7)، وفيهما (8) عن سعد مرفوعا قال: "أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم من أجل مسألته"، وقال في (شرح مسلم) (9): قال الخطابي وغيره: هذا الحديث فيمن سأل تكلفا، أو تعنتا عما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضرورة، بأن وقعت له مسألة فسأل عنها فلا إثم عليه، ولا يحنث؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} (10).

وقال البيهقي في كتاب (المدخل) (11): وقد كره بعض السلف للعوام المسألة قبل كونها إذا لم يكن فيها كتاب ولا سنة، وإنما سأل بالاجتهاد؛ لأنه إنما يباح للضرورة، ولا ضرورة قبل الواقعة، وقد يتغير اجتهاده عندها، واحتج بحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (12).

وقال طاوس عن عمر: لا يحل لكم أن تسألوا عما لم يكن (13).

وقال ابن وهب: أخبرني الفتح بن بكر عن عبد الرحمن بن شريح أن عمر قال: وإياكم وهذه العضل؛ فإنها إذا نزلت بعث الله لها من يقيمها، أو يفسرها. وروي عن أبي بن كعب نحو ذلك.

وقال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن الصلت بن راشد، قال: سألت طاوسا عن شيء فقال: أكان هذا؟ قلت: نعم، فحلَّفني، فحلفت له، فقال: إن أصحابنا حدثونا عن معاذ أنه قال: أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله، فيذهب بكم هاهنا وهاهنا، وإنكم إن لم تعجلوا لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم مَن إذا سئل سُدِّد، أو قال: وُفِق (14).

وروى أسامة بن زيد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم (15)؛ معنى هذا الكلام.

قال البيهقي (16): وبلغني عن أبي عبد الله الحليمي أنه أباح ذلك للمتفقهة؛ ليرشدوا إلى طريق النظر والرأي. قال: وعلى ذلك وضع الفقهاء مسائل الاجتهاد، وأخبروا بآرائهم فيها. وقال في (الحاشية): خالف تلك النصائح الحكيمة كثير من الفقهاء، فاخترعوا من الأسئلة ما يندر أن يقع، وما لا يقع، وما يستحيل أن يقع، وتكلفوا الجواب عنه، فكثر الفضول في كتبهم، واشتغل بها الكثيرون عن العلم النافع والعمل، وسموها مع ذلك دينًا، وما هي إلا آراء ما أنزل الله بها من سلطان.
فلا يغترن أحد بكلمة البيهقي عفا الله عنا وعنه، على أنه لا يعني كل ما أشرنا إليه. انتهى.

___________________________________________

1 - (2/ 72).
2 - عن ابن عمر: "لا تسألوا عما لم يكن" رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم) (2/ 139، 143) ومداره على ليث بن أبي سليم؛ وهو ضعيف وفي لفظ لأبي خيثمة في كتاب (العلم) (125)، والبيهقي في (المدخل) (292) عن عمر قال: "لا يحل لكم أن تسألوا عما لم يكن، فإنه قد قضي فيما هو كائن" وإسناده منقطع. وأخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) (2/ 7).
3 - عن ابن عباس قال: ما رأيت قوما كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الطبراني في (الكبير) (11/454)، وابن عبد البر في (جامع بيان العلم) (2/141) وإسناده ضعيف لاختلاط عطاء.
4 - سورة البقرة: الآية (189).
5 - سورة المائدة: الآية (101).
6 - البخاري (5309)، ومسلم (1492).
7 - البخاري (7292)، ومسلم (1715).
8 - البخاري (7289)، ومسلم (2358).
9 - (المنهاج) (شرح النووي) (15/ 111).
10 - سورة النحل: الآية (43).
11 - (المدخل) (ص 223) بنحوه.
12 - الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976)، وابن حبان (229)، وغيرهم.
13 - البيهقي في (المدخل) (292)، وأبو خيثمة في (العلم) (125) وقد تقدم آنفاً.
14 - الدارمي (1/56)، والبيهقي في (المدخل) (296)، والخطيب في (الفقيه والمتفقه) (2/12).
15 - البيهقي في (المدخل) (298)، وأخرجه الدارمي (1/49).
16 - البيهقي في (المدخل) ص (227).