هل يمكن للمسلم الملتزم أن يُبتلى بارتكاب المعاصي؟

السؤال: هل يمكن للمسلم الملتزم والحريص على دينه أن يُبتلى بارتكاب المعاصي مثل الزنا مع من أحب لوجود حائل يمنع زواجهما؟ شكراً.

الإجابة

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن جريمة الزنا من أكبر الكبائر وأقبحها، وقد تناهى قبحها واستقر فحشها في العقول حتى عند كثير من الحيوانات، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال: رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة! فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا!

وكان العرب قبل البعثة يستقبحونه فلم يكن يرتكبه إلا أراذل الناس من الإماء والعبيد، ولذلك لما بايعت هند بنت عتبة رضي الله عنها، النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام في البيعة: {ولا يزنين}، قالت: أو تزني الحرة؟ وقال في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68-69].

وقد حرص الشرع الحنيف على سدَّ كل الأبواب الموصلة إلى هذه الفاحشة، فقال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32]، وقال جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30].

وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الخلوة بالأجنبية، وسفر المرأة بغير محرم، وخضوعها بالقول، وغير ذلك لأنه قد يفضي إلى الزنا.

وقد شدد الله تعالى في عقوبة الزناة في الدنيا والآخرة وفي الحياة البرزخية، ففي الدنيا بالجلد مائة إن كان بكراً، والرجم حتى الموت إن كان محصناً، قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2].

وأما في الآخرة فبالعذاب الأليم المضاعف إذا مات من غير توبة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم: 60].

أما في البرزخ فقد روى البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة .... انطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته ناراً، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة" ... ثمَّ قال له الملك: الذي رأيته في الثقب فهم الزناة.

أما قولك هل يمكن للمسلم الملتزم والحريص على دينه أن يبتلى بارتكاب الزنا؟! فإن كنت تعني هل يجوز له الزنا لعدم تمكنه من الزواج؟ فالجواب بلا شك لا.

أما إن كنت تقصدين التعجب من وقوع من ظاهره الاستقامة في ذلك الجرم العظيم -فهذا غير مستبعد- إن كان صاحبه يعرض نفسه لفتنة النساء وللحب المحرم، فإن الله تعالى حرَّم إقامة أي علاقة بين الرجال والنساء خارج نطاق الزواج، وليس في الإسلام ما يعرف بالحب بين الجنسين إلا في ظل زواج.

وكم أوقع ذلك الحب المحرم أصحابه في موبقات؛ ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به"، قال في "عمدة القاري": "قوله تستشرفه أي تغلبه وتصرعه، وقيل هو من الإشراف على الهلاك أي تستهلكه".



من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.