الكلام على ما يثبت به الرضاع

السؤال: امرأة أقسمت أنها أرضعتني، ونفى والداي ذلك، فما الحكم في هذا؟

الإجابة

الإجابة: إن ما يثبت به الرضاع قد اختلف فيه أهل العلم على أربعة أقوال:

فقد ذهب الحنفية إلى أن نصاب الشهادة في الرضاع هو مثل النصاب في الشهادة مطلقاً في كل الأمور، فلا بد فيه من شهادة عدلين أو عدل وامرأتين، وبينوا أن الله سبحانه وتعالى جعل نصاب الشهادة في القرآن كذلك فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}، وقال في الطلاق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}، وعلى هذا فنصاب الشهادة دائماً هو عدلان أو رجل وامرأتان.

وذهب الشافعية إلى أن الرضاع يثبت بشهادة أربع نسوة من أهل الشهادة، لأنه من شأن النساء لا من شأن الرجال، وكل رجلٌ يقوم مقامه امرأتان في الشهادة.

وذهب المالكية إلى أن الرضاع يثبت بشهادة امرأتين من أهل العدالة، لأن التعدد مشروط في الشهادة لا في الرواية، وهذا النوع مما يختص بالنساء وإذا حصل التعدد حصل به ما يكفي لحصول أصل المسألة، وهو من الأمور الظنية.

وذهب الحنابلة إلى أن الرضاع يثبت بشهادة المرأة الواحدة، واستدل الحنابلة بما أخرج البخاري في الصحيح وغيره من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب بن عزيز فجاءت امرأة سوداء فقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوجها، فقلت: ما علمت ذلك ولا أخبرتني، فأرسلت إلى آل أبي إهاب أسألهم، فقالوا: ما علمنا ذلك، فقعدت على راحلتي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسألته، فقال: "كيف وقد قيل؟"، وفي رواية: "فارقها فلا خير لك فيها"، ففارقتها فنكحت رجلاً غيري، وهذا الحديث يستدل به الحنابلة على ثبوت الرضاع بشهادة المرأة الواحدة ولو كانت هي المرضعة ولو كذبها والدا الرضيع، فبنت أبي إهاب أنكر أبواها أن تكون أرضعتها تلك المرأة، وقالا: ما علمنا ذلك، ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الاستمرار على هذا الزواج، وقال: "فارقها فلا خير لك فيها"، وقال: "كيف وقد قيل؟".

والمالكية رأوا أن هذا الحديث دليل على أن الرضاع لا يثبت بشهادة المرأة الواحدة لأنه قال: فارقها، وأنتم تعلمون أن الفراق هو الطلاق، والطلاق لا يكون إلا بعد نكاح صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق للإنسان فيما لا يملك"، فاقتضى هذا أن النكاح صحيح لأنه قال: فارقها، ومعناه أن النكاح الذي حصل معتبر شرعاً، فيحتاج إلى فرقة فيه وهذه الفرقة هي الطلاق، فيكون ذلك تصحيحاً للعقد، ومن المعلوم أن المحرم لا يحل العقد عليها ولا يصح بوجه من الوجوه، فلو كان الرضاع ثابتاً لكان النكاح غير متصور أصلاً، ومع ذلك فإن المالكية راعوا الخلاف فرأوا ندب التنزه بشهادة المرأة الواحدة، وهذا فيما يتعلق بالنكاح أي في جانب المنع، أما في جانب الاستحلال وهو انتشار الحرمة كأن يصافح هذه المرأة التي زعمت أنها أرضعته فإذا أنكر والداه ذلك فالاحتياط أن لا يصافحها وأن لا يعمل بهذا الرضاع فيما يتعلق بجانب الإيجاب، أما في جانب النهي وهو جانب السلب فقد ذكرنا الخلاف فيه أما في جانب الإيجاب فعليه أن لا يعمل بهذا الرضاع، والواحد بالشخص له جهتان، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما تخاصم إليه سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ولد قال عبد إنه ابن لأبيه ولد على فراشه من أمته، وقال سعد بن أبي وقاص إن أخاه عتبة بن أبي وقاص أوصاه أنه ابنه، حكم به النبي صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة، وقال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، لكنه مع ذلك أمر سودة بنت زمعة أن تحتجب منه وهي أم المؤمنين، فمعناه أنه راعى الأمرين، فنظراً لشبههه بعتبة بن أبي وقاص وقد كان ابنه من الزنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب منه، ونظراً لكونه ولد على فراش الآخر ولم ينكره وهو ابن أمته على فراشه فالنسب تابع لذلك، ولذلك حكم به لعبد بن زمعة وأمر سودة أن تحتجب منه.



نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.