حكم الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع فيه، والحلف بالطلاق، وطلاق الغضبان

من م. س. أ. إلى حضرة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رعاه الله آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله أن يمتعكم بالصحة والعافية وأن يرزقنا وإياكم الشكر لنعمه والثبات على الدين. وبعد:[1] إنني كنت أعلم أنكم تفتون بوقوع الطلاق الثلاث واحدة، إن كان في مجلس واحد. وكنت سابقا لا يطمئن قلبي للإجابة وفق هذا. ولكن حديثا جدا تبين لي وضوح دلالة القرآن على ذلك، وجسرت على ذلك، وخاصة بعد ما تبين لي عظم المآسي التي تنتج من التفريق الدائم بين الزوجين إذا تعلق ذلك بكلمة واحدة تخرج من فم الزوج. ولكن سؤالي الآن هو: هل أنتم تفتون بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي حصل فيه اتصال بين الزوجين أو أنكم تفتون بعدم وقوعه؟ فإن كنتم تفتون بوقوعه فما الفرق عندكم بينه وبين الطلاق الثلاث في مجلس واحد؟ إذ كلاهما مخالف للوجه المشروع فينبغي أن يكون الحكم فيهما واحداً. وإن كنتم تفتون بعدم وقوعه، فهل ينبغي للمفتي والحاكم أن يستفسر من المطلق عن حال المرأة عند التلفظ بالطلاق؟ كما أنني أود أن أعلم قولكم في مسألة الحلف بالطلاق. ومسألة طلاق المغضب غضباً يخرج الإنسان عن طروه الطبيعي دون أن يصل به إلى الإغلاق، ولست في هاتين المسألتين بحاجة إلى معرفة الاستدلال وإنما قصدي معرفة قولكم. هذا ما لزم، وتحياتي إلى الأبناء، والمشايخ، والإخوان، وسائر الأحبة لديكم. والسلام.

الإجابة

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. س. أ. وفقه الله لكل خير آمين[2].

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:[3]

كتابكم الكريم المؤرخ 10 / 12 / 1389ه وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن رغبتكم في معرفة رأيي في حكم الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه والحلف بالطلاق وطلاق الغضبان.. إلخ كان معلوما.

والجواب: الذي أرى في الطلاق في الحيض والطهر الذي حصلت فيه المجامعة وأفتي به هو: وقوع الطلاق لأمرين: أحدهما: حديث ابن عمر، وكون الطلقة حسبت عليه.

والثاني: أني لا أعلم في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استفسر من المطلق عند سؤاله عن الطلاق هل كان طلق في الحيض، أو في طهر جامع فيه، ولو كان الحكم يختلف لوجب الاستفسار، ولا أعلم أني أفتيت بعدم وقوعه إلا مرة واحدة، ولا أزال ألتمس المزيد من الأدلة على وقوعه أو عدم وقوعه، وطالب العلم ينبغي له أن يكون دائماً طالباً للحق بأدلته حتى يلقى ربه عزوجل.

أما الحلف بالطلاق فقد كنت فيما مضى أفتي بالوقوع، ثم ظهر لي أخيراً من نحو سنة أو أكثر قليلا عدم الوقوع، وأفتيت بذلك مرات كثيرة إذا كان المطلق لم يرد إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط، وإنما أراد معنى آخر من حث، أو منع، أو تصديق، أو تكذيب، ولا يخفى أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله عليهما.

وأما طلاق الغضبان، فالذي أفتي به الوقوع ما لم يشتد حتى يغير الشعور أو يذكر المطلق أنه لا يعلم ما وقع منه إلا بقول الحاضرين معه.

أما الفرق بين القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي وقعت فيه المجامعة، والقول بعدم وقوع الثلاث، الصادرة من الزوج بلفظ واحد فهو: أن النص جاء صريحا في عدم وقوع الثلاث وأنها كانت تجعل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وأول عهد عمر رضي الله عنه. ولم يأت مثل هذا في الطلاق في الحيض، والطهر الذي وقع فيه المسيس، ولما كان الحديث في عدم وقوع الثلاث ليس بالصريح في عدم إيقاع الثلاث المفرقة؛ حملته على ما إذا وقعت بلفظ واحد؛ لأن ذلك أقل ما يدل عليه؛ ولأن ابن عباس رضي الله عنهما أفتى بذلك في الرواية التي جاءت عنه في عدم إيقاع الثلاث، ولأني لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع.

هذا خلاصة ما لدي في الموضوع، ومتى ظهر لفضيلتكم خلاف ما ذكرته بدليل اطمأننتم إليه، فأرجو الإفادة بذلك؛ لأن الحق ضالة المؤمن، والفائدة مطلوبة مني، ومنكم، ومن كل طالب علم، يتحرى الحق. وفقني الله وإياكم، وسائر إخواننا لإصابة الحق في القول والعمل والثبات عليه، إنه خير مسئول.

[1] سؤال موجه لسماحته من الشيخ م. س. أ. بتاريخ 20 ذي الحجة 1389ه

[2] فتوى سماحته – رحمه الله – في هذه الرسالة الجوابية وما بعدها فيها إشارة لرأيه الأول في طلاق الحائض، بأنه يقع مع الإثم، وكما هي عادته رحمه الله في البحث والتوثق، وبعد أن حصلت عنده القناعة بالدليل صار رأيه الثابت المستقر عنده أن طلاق الحائض لا يقع، كما سيجد ذلك القارئ في الفتاوى بهذا المجموع. ولولا أن سماحته قد بعث فتوى وقوع الطلاق للحائض لسائلين من طلبة العلم، وقد ينشرونها لما علقنا على هذا، علما بأن في هذا الجواب ما يفيد في أن طلاق الحائض لا يقع، والله الموفق.

[3] صدرت برقم (80) في 11 / 1 / 1390ه.