توجيه الحجاج بالسؤال عما أشكل عليهم

بعض الحجاج لا يبالي بحجه، فهو لا يسأل عما أشكل عليه، أو أنه يسأل عامياً أو شخصاً لا يُعرف بالعلم، وتعلمون سماحتكم ما يترتب على ذلك، فبما تنصحون الناس؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن وصيتي لكل مسلم ولكل حاج أن يعنى بحجه وعباداته من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك، فالمؤمن من شأنه أن يهتم بدينه ، وأن يحرص على دينه، حتى يؤدي ما أوجب الله عليه على بصيرة، وحتى يحذر ما حرم الله عليه على بصيرة، والحجاج جاؤوا من أقطار الأرض من كل فج عميق، يريدون رحمة الله وفضله، وعتقه لهم من النار ، ويريدون أداء ما أوجب الله عليهم من مناسك الحج والعمرة ، فالواجب عليهم أن يهتموا بذلك ، وأن يعنوا بذلك، وأن يسألوا عما أشكل عليهم أهل العلم، وهم بحمد الله موجودون، ومن أشكل عليه سأل عنهم في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وقد عينت الحكومة السعودية - وفقها الله - علماء في المسجد الحرام ، والمسجد النبوي، وفي المشاعر، يبصروا الناس ويعلمونهم مناسكهم ، ويرشدونهم إلى كل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فهم يقومون بالوعظ والتذكير، والتدريس والإفتاء ، فعلى الحاج أن يسأل من وجد منهم في المسجد الحرام، في المشاعر ، في المسجد النبوي، وهكذا يسأل من يعرف من العلماء ، من جماعته ، من رفقته ، من غيرهم .... من علماء الشريعة المعروفين بالاستقامة، والغيرة لله، والعلم بشريعته يسألهم من أي جنس كانوا من الشام من العراق من مصر من أفريقيا، من أي مكان، ما دام يعرفهم بالخير ويعرفهم بالفضل والغيرة لله والبصيرة في دينه حتى يفقهه، حتى يعلمه ما يحتاج إليه في حجه وعمرته وصلاته وسفره وإقامته وغير ذلك، ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). متفق على صحته. فهذا يدلنا على أن من علامات الخير ، ومن علامات التوفيق للعبد أن يوفقه في دين الله، وأن يتبصر في دين الله، كما يدل هذا على أن من علامات الخذلان وعدم التوفيق الجهل بالدين والإعراض عن الدين والغفلة ، فعليك يا أخي أيها الحاج، وعليكِ أيتها الأخت في الله الحاجة، عليكما جميعاً العناية بالحج، والعناية بجميع أمور الدين في مكة وفي المدينة وفي بلادكم وفي كل مكان، فالواجب على المكلف من الرجال والنساء العناية والتبصر في الدين لماذا؟ لأننا مخلوقون لنعبد الله، يقول الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [(56) سورة الذاريات]. والله أرسل الرسل لهذا الأمر، ليبصروا الناس ويعلموهم وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله - عليه من ربي أفضل الصلاة والتسليم - فهو أفضل الرسل، وهو إمامهم ، وهو خاتمهم ، وهو نصيبنا منهم - عليه الصلاة والسلام - فالواجب علينا جميعاً أن نتعلم ديننا من كتاب ربنا ومن سنة نبينا - عليه الصلاة والسلام -، حتى نعلم العبادة التي خُلقنا لها ما هي العبادة التي خلقنا لها؟ نتعلمها من كلام ربنا ومن كلام رسوله، فما أمر الله به ورسوله فهو ....، وما نهى الله عنه ورسوله فهو المنكر الذي يترك، والطريق إلى هذا العلماء، العلماء الشرعيون، العلماء الفقهاء بدين الله المعرفون بالخير والاستقامة هم الواسطة بين العامة وبين كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هم الذين يعلمون الناس دينهم، فمن كان عنده علم رجع إلى كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام – وتبصر منهما وعلم الناس، ومن لم يكن له علم من عامة المسلمين من الحجاج وغيرهم يسألوا أهل العلم ، والله يقول – سبحانه -: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [(43) سورة النحل]. ووصيتي للحجاج جميعاً من الرجال والنساء أن يتقوا الله ، وأن يحرصوا غاية الحرص على إكمال حجهم ، وعلى العناية به ، وعلى كل ما أوجب الله عليهم من صلاة وصوم ، وحق الزوج وحق الزوجة وحق الأقارب وحق الوالدين، وحق الجار ، إلى غير ذلك، على المؤمن أن يتبصر في دينه، والمؤمنة كذلك، وبالأخص في الحج، وقت أداء الحج، يخص ذلك بمزيد عناية حتى يؤدي حجه على الوجه المشروع، والله سبحانه يقول: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [(197) سورة البقرة]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). يعني رجع مغفوراً له، إذا أدى الحج كما ينبغي ، والرفث الجماع، ودواعيه، من قبلة ، ومس بشهوة، ونحو ذلك، فالحاج لا يجوز له جماع زوجته، وليس لها أن تمكنه من ذلك، حتى يحل من حجه، حتى يحل التحلل الثاني الكامل برمي الجمار يوم العيد، وبالحلق أو التقصير وبالطواف والسعي، هذا هو التحلل الكامل، وبعده يحل للرجل جماع أهله، وفي العمرة ليس له جماعها ، ولا وسائل ذلك من القبلة والملامسة بشهوة ليس له ذلك حتى يطوف كل منهما ، وحتى يسعى كل منهما، وحتى يحلق كل منهما، حتى يحلق الرجل أو يقصر، وحتى تقصر المرأة ؛ لأنه ليس لها إلا التقصير، فإذا طاف الرجل وسعى وحلق وقصر حل من عمرته، وإذا طافت وسعت وقصرت حلت من عمرتها، وبعد ذلك يحل لهما الجماع الذي أباح الله، ومن الرفث مثلما تقدم دواعي الجماع ، كونه يلمسها بشهوة أو يداعبها المداعبة التي تجر إلى الجماع هذا محرم ؛ لأنه من الرفث، والفسوق المعاصي جميعها ، كل المعاصي تسمى فسوقاً ، كالسب والشتم للناس وضربهم وإيذائهم ، والغيبة والنميمة والسرقة سرقة أموال الناس أو نهبها كل هذه من الفسوق، فالواجب على الحاج أن يحذر ذلك، وهكذا غير الحاج، يجب الحذر من هذه المعاصي ، ولكن الحاج بصفة خاصة يجب أن يحذر ذلك، فلا يؤذي أحداً، لا عند الطواف ولا السعي ولا في أي مكان، لا بيده ولا برجله ولا بكلامه، ولا يأخذ مال أحد إلا بحق، ولا يغتاب الناس، ولا ينم عن الناس، ولا يشهد الزور ، ولا يكذب ولا يفعل شيء مما حرم الله، حتى يكمل حجه، وحتى يتمه، وحتى يرجع مغفوراً له - بإذن الله -. والجدال معناه المراء في الدين بغير حق، .... في حجه ، يعني لا مراء في غير الحق، كونه يجادل بالباطل مع إخوانه ، أو مع آخرين غير جماعته لا يجادل. أما بيان الحق بالدليل وبالتي هي أحسن فهذا لا بأس به؛ لأن الله قال في كتابه العظيم: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [(125) سورة النحل]. فالجدال بالتي هي أحسن في بيان الحق، في بيان مسائل الحج ، بيان ما أشكل على الناس لإزالة الشبهة هذا لا بأس، أما الجدال لإظهار جودته، أو لإظهار فهمه أو ليغلب الناس أو لشيء من الأغراض الأخرى، ليس لقصد الخير، فهذا هو المذموم، وهو الجدال الذي نهى الله عنه، أما الجدال بالتي هي أحسن لبيان الحق ، وإرشاد الجاهل وتعليمه، وإزالة الشبهة وكشفها فهذا مأمور به، وليس داخلاً في النهي، - نسأل الله للجميع التوفيق والهداية-.