واجب المدرسين نحو أنفسهم ونحو طلبتهم- وواجب الطلبة نحو أنفسهم- وواجب ولاة الأمور تجاه الطلبة

إن نظام وقوانين الشهادات تسبَّب في تعطيل كثير من العلم النافع، فلم يوجد المدرس الكفء الصالح الذي يربي النشء تربية حقيقية، وأصبح الطالب لا يهمه إلا حمل الشهادة، بغض النظر عن دينه وعقيدته وفقهه وخُلقه، إلى درجة أن بعض الطلبة، بل أيضاً بعض المدرسين لا يعرف كيف يصلي على الجنازة، وأكثرهم لا يصلون الصلوات الخمس، وإذا صلى بعضهم صلى بعض الصلوات وترك البعض الآخر، والسؤال: ما هو الواجب على المدرسين نحو أنفسهم وطلبتهم؛ لأن أغلب الطلبة يتمثلون في مدرسيهم، ويأخذون عنهم الكثير مما هم عليه من الجهل بشرع الله، والإهمال في عبادة الله، والعادات والتقاليد المخالفة لدين الله، والسؤال أيضاً: ما هو الواجب على الطلبة نحو أنفسهم، وما هو الواجب على ولاة الأمور تجاه الطلبة؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابة

التنظيم الذي وقع في الناس منذ دهر طويل حصل به مصالح جمة من تنشيط الطلبة وترغيبهم في طلب العلم، وأخذ الشهادات التي تشجعهم على طلب العلم والاستعانة بها على الوظائف، وعلى مصالحهم الدنيوية، ففيه مصالح، وفيه مضار لأن كثيرا من الطلبة لا يطلب العلم للآخرة، وإنما يطلبه للدنيا ومصالحها وفوائدها ووظائفها، ففيه خير وشر، فمن طلب العلم لله من طريق النظم المتبعة فأخذ الشهادات واستعان بها على طاعة الله وتفقه في الدين نفع الله به الأمة، وصارت هذه الشهادات عونا له وزاداً على أداء المهمة وعلى دعوة الناس إلى الخير، وعلى أن يقدر ويعرف له فضله، ومن استعان بها على الدنيا ونسي الآخرة صارت حظه من الدنيا، ولم يكن له في الآخرة نصيب إذا لم يعمل للآخرة ولم يكدح لها. فالحاصل أن هذه الشهادات التي يأخذها الطالب وهذه التنظيمات التي يسير عليها الطالب تنفع المجد الصالح الطيب الذي يريد الآخرة تنفعه وتعينه، والآخر الذي لا يريد الآخرة ما تزيده إلا خبالاً ولا تزيده قرباً من الله -عز وجل- لأنه ما أراد بها الآخرة وإنما أراد بها الدنيا وحظها العاجل، وقد يوفق بعض الناس فيتعلم للدنيا ثم يهديه الله ويتعلم للآخرة ويستفيد، كما قال بعض السلف: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله". فالواجب على المدرسين أن يتقوا الله وأن يلتزموا بالإسلام وبأخلاق الإسلام وبأعمال الإسلام حتى يكونوا قدوة للطلبة، ولاسيما من يدرس في العلوم الشرعية، فإن الواجب عليه أن يكون أقرب الناس إلى الخير وأكملهم في الخير وأسبق الناس إلى طاعة الله ورسوله وأبعد الناس عما معصية الله ورسوله حتى يتأسى به تلاميذه حتى يقتدوا به في الخير. والواجب على الأستاذ أيضا أن يكون حريصا على تفقيه الطلبة وتشجيعهم على الخير وترغيبهم فيه، وأن يحثهم على طاعة الله ورسوله، ويحذرهم من معصية الله ورسوله، ويحثهم على التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم – وبأصحابه الكرام وبأهل الخير، وأن يحذرهم من التأسي بأهل الشر، فهو يحثهم باللسان ويحثهم بالعمل، يكون قدوة صالحة في عمله ومع ذلك هو يرغبهم ويحثهم بلسانه فيجمع بين الأمرين: بين التشجيع القولي والتشجيع العملي، فيرون من أعماله وسيرته ما يسرهم وما يعينهم على طاعة الله ورسوله، ويسمعون منه في الدرس وفي غير الدرس من الكلام الطيب والتوجيه الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يسرهم ويعينهم على طاعة الله ورسوله. هذه هو الواجب على الجميع. وعلى الطالب أن يتقي الله وأن لا يكون همه الشهادة، بل عليه أن يتقي الله حتى يستعين بالشهادة على طاعة الله ورسوله، وحتى يستعين بالشهادة على نفع العباد في توجيههم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم، إلى غير ذلك، لا تكن الشهادة وسيلة فقط للدنيا، لا، بل عليه أن يستعملها في أمر الدين والدنيا، يستعين بها على طاعة الله، وينتفع بها في الوظيفة التي توظف بسببها، حتى ينتفع في دنياه وأخراه. فهذه الدور العلمية من معاهد ومدارس وجامعات أنشئت للعلم في بلاد المسلمين ولتعليم الناس ولتوجيه الناس إلى الخير، فعلى القائمين عليها أن ينصحوا لله ولعباده، وأن يجتهدوا في توجيه الناس إلى الخير وإرشادهم إليه، وعلى الطالب أن يتقي الله وأن يجتهد في طلب العلم النافع وأن يجتهد أيضا في سؤال أهل العلم والاستفادة من آرائهم، وأن يكون متواضعا ليريد العلم ليريد الفقه في الدين، وعليه أن يعمل بعلمه في أقواله وأفعاله، عليه أن يعمل، تعرف عليه آثار العلم في خشيته لله وفي قيامه بأمر الله، وفي محافظته على طاعة الله وفي بره لوالديه وفي صلته لأرحامه، وفي إكرامه لجاره، وفي غير هذا من أعمال الخير، ولا سيما الصلاة، في المحافظة عليها والمسارعة إليها في الجماعة والخشوع فيها، هكذا يكون الطالب الصالح المجد، وعلى المدرس أن يعتني بالطلبة ويوجههم، وأن يكون قدوة صالحة -كما تقدم- لهم في الخير كله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.