الإجابة:
الحمد لله
أولا :
كفالة اليتيم من أعمال البر التي ندبنا إليها الشرع ، ودل على أنها من
أسباب دخول الجنة ، بل من أسباب نيل أعلى درجاتها ، ويكفي لحث المؤمن
على الحرص عليها ، قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : « أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ، وأشار
بالسبابة والوسطى ، وفرق بينهما » البخاري (5304).
قال ابن بطال ، رحمه الله : ( حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ،
ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ) نقله ابن حجر في فتح
الباري 10/436
ثانيا :
إنفاق المال على اليتيم قد ورد الحث عليه بخصوصه ؛ قال النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «َإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ
فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ ، مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ
وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ ، أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » رواه البخاري (1465) ومسلم
(1052)
لكن هذه النفقة ليست هي كل الكفالة التي ندب إليها الشرع ، ووعد
فاعلها المنزلة العظيمة في الجنة ، وإنما هي نوع منها ، وشعبة من
شعبها ، وإنما الكفالة التامة : القيام بأمره ، والنظر في مصالحه
الدينية والدنيوية ، وتربيته ، و الإحسان إليه حتى يزول يتمه . قال
ابن الأثير : ( الكافل هو القائم بأمر اليتيم ، المربي له ) النهاية
4/192 ، ولما عرف النووي ، رحمه الله ، في كتابه رياض الصالحين ، كافل
اليتيم بأنه القائم بأموره ، قال شارحه : ( دينا ودنيا ، وذلك بالنفقة
والكسوة ، وغير ذلك ) . دليل الفالحين 3/103 ، وقال الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله : ( كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه ؛ بما
يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم ، وما أشبه ذلك ، وما
يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن . ) شرح رياض الصالحين
5/113 .
ودخول مصالح اليتيم الدينية والتربوية في معنى الكفالة ، ليس أقل من
دخول المصالح المادية الدنيوية ، بل هي أولى ، كما أن قيام الأب على
تربية أبنائه ، وتأديبهم ، أعظم من مجرد إنفاقه عليهم . قال الشيخ ابن
سعدي في تربية الإنسان لأبنائه : ( كما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم
وقمت بتربية أبدانهم ، فأنت قائم بالحق مأجور ، فكذلك ، بل أعظم من
ذلك ، إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة ، والمعارف
الصادقة ، والتوجيه للأخلاق الحميدة ، والتحذير من ضدها ) بهجة قلوب
الأبرار 128
وتلك هي الكفالة الحقيقية لليتيم ؛ أن يربيه تربية ابنه ، ولا يقتصر
على الشفقة عليه والتلطف به ، ويؤدبه أحسن تأديب ، ويعلمه أحسن تعليم
. فيض القدير للمناوي 1/108
واستظهر العراقي ، رحمه الله ، أن يكون هذا المعنى هو السر في مرافقة
كافل اليتيم للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، في الجنة ؛ قال : ( لعل
الحكمة في كون كافل اليتيم .. شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي ،
أو منزلة النبي ، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر
دينهم ، فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا ، وكذلك كافل اليتيم يقوم
بكفالة من لا يعقل أمر دينه ، بل ولا دنياه ن ويرشده ويعلمه ، ويحسن
أدبه ) نقله الحافظ في الفتح 10/437
ثم إن الاقتصار على النفقة ، لاسيما مع تباعد الأمكنة ، يحرم العبد من
واحد من أسباب لين القلب وقضاء الحوائج ؛ وهو ضم اليتيم ، والإلطاف له
. قال صلى الله عليه وسلم : « أدن اليتيم ، وامسح برأسه ، وأطعمه من طعامك ،
فإن ذلك يلين قلبك ، ويدرك حاجتك » السلسلة الصحيحة (854)
والحاصل أن أعلى مقامات كفالة اليتيم هي أن يضمه الإنسان إلى ولده ؛
فيربيه تربيتهم ، وينفق عليه كما ينفق عليهم .
فإن لم يكن للكافل مال يسع اليتيم ، أو كان لليتيم من المال ما يستغني
به ، وضمه الإنسان إلى أولاده ، فهذا ، وإن كان دون المنزلة الأولى ،
فهو من أعظم معاني الكفالة ، ومن أعظم مقاصدها ؛ حتى قال النووي رحمه
الله : ( وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه ، أو مال
اليتيم بولاية شرعية ) نقله ابن علان في دليل الفالحين 3/104
فإن كان للإنسان مال ينفق منه على اليتيم ، كحال السائل ، فهذا على
خير عظيم إن شاء الله ، ويكفي أنه توقى من فتنة المال والشح به ، وأدى
شرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه : « لمن أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ
وَابْنَ السَّبِيلِ » , لكن ليست هذه هي الكفالة
التامة التي وعد صاحبها مرافقة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في الجنة
، ولعله أن يحصل بإخلاص النية ، وصدق الإرادة ، ما عجز عن أن يناله
بعمله ، فعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ : « إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا
مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيه ؛ِ
حَبَسَهُمْ الْعُذْر » رواه البخاري (2839) .